مراجعة كتاب “تهويد المعرفة” للكاتب “ممدوح عدوان”
لم يكن اختيار هذا الكتاب وليد المصادفة، بل هو احتفاءٌ وإحياءٌ لذكرى مولد الكاتب والروائي والفيلسوف الكبير ممدوح عدوان (ولد في 23/11/1941 )، ممدوح عدوان غنيٌ عن التعريف فكتبه (دفاعاً عن الجنون، جنون آخر، حيونة الإنسان، تاريخ التعذيب، أعدائي، وغيرها..) لاتزال تتصدر قائمة أكثر الكتب مبيعاً، ونحن لاننتظر احصائيات وتقارير معارض الكتب بل يكفينا النظر في صفحات المراجعات الأدبية والنقاشات الفلسفية لنتأكد مدى رواج فكر الكاتب العظيم وتأثيره في أبناء جيله وربّما في الأجيال القادمة، وقد اخترت كتابه (تهويد المعرفة) لهذه المراجعة على أن أواصل الحديث عن سائر كتبه في مراجعاتٍ تالية بعون الله، وقد سجلت حول هذا الكتاب النقاط الأتية:
هذا الكتاب في الأصل هو مقدمة للنسخة العربية من كتاب (تلفيق اسرائيل التوراتية، طمس التاريخ الفلسطيني) لمؤلفه (كيت وايتلام)، إلا أنّ خلافاً دبّ بين سلسلة عالم المعرفة الكويتية ودار النشر وصلا على إثره إلى القضاء والمحاكم جعل من الكاتب ممدوح عدوان ينسّل من بينهم ويزيد في تلك المقدمة مادةً أكثر عُمقاً وينشرها في كتابٍ مستقل.
يتّضح محتوى الكتاب من عنوانه، فهو يتناول محاولات الصهيونية العالمية والكيان الاسرائيلي المُحدَث طمس معالم التاريخ الفلسطيني وإرثه الثقافي، والعمل على ترسيخ فكرةٍ ساذجة أن ما في المنطقة تاريخاً إلا التاريخ اليهودي الاسرائيلي.
استبسل علماء الأثريات الاسرائيليون وأنصارهم للادعاء بأنّ المكتشفات الأثرية في إيبلا تؤكد الرواية التوراتيّة، لكنّ العلماء الآخرين المُشاركين في الحفريات والذين فكوا رموز مكتبة ايبلا دحضوا بشدّة هذه الدعاوى، وأكدوا أنّ هذه الأسفار كلها لم تأتِ على ذكر أي شيء متعلق بمملكة داؤود أو سليمان.
لم يأتِ اليهود الاسرائيليون بهذه المحاولات من بنات أفكارهم، بل لهم أئمّةً في هذا المجال يعود إلى عصر التنوير الفرنسي حيث ابتكر فلاسفة ذلك العصر قاموسهم الخاص بالشرق وتلاعبهم بالمعطيات التاريخية لكي يخترعوا شرقاً يتلاءم مع أغراضهم، وقد سبقهم إلى ذلك محاولات القادة الامريكيين طمس معالم وثقافة ولغة الهنود الحمر سكّان الأرض الأصليين، وهذه دروس تعلمها منهم الصهاينة وأتقنوها ثمّ مارسوها على الحضارة العربية الفلسطينية.
يُشير الكاتب إلى حقيقة صادمة وهي أنّ محاولات تشويه الحقائق كانت تتمّ بأيدٍ عربية واسلامية مدفوعة الأجر من قبل مراكز بحثيّة صهيونيّة سريّة، ويذكر على سبيل المثال (الموسوعة الإسلامية) التي كُتبت بمنطقٍ معادٍ للإسلام والمسلمين، وقد قامت دوائر عربية بترجمتها، ولم ينتبه المترجمون والناشرون إلى السمّ المدسوس في الدسم إلا بعد أن قطعواً أشواطاً بعيدة في الترجمة (تحديداً عند وصولهم إلى حرف الطاء)، وكي لا يُتلفوا ما ترجموه أرسلوا نسخة إلى الأزهر الذي فنّد هذه المغالطات عام 1932 في عهد الملك فؤاد الأول، إلا أنّ دار نشرٍ مصرية وبالتعاون مع دار نشر خليجية أصدروا تلك الموسوعة مع كل ما تحويه من تشويهٍ للتاريخ والحضارة العربية والإسلامية، وقد ثارت على إثرها (كان ذلك عام 1995) ضجة كبيرة في الصحف العربية والمصرية احتجاجاً على نشر الموسوعة.
اعتمد الصهاينة في تشويه التاريخ على ثلاثة أغراض رئيسيّة هي :تطهير التاريخ اليهودي من كل شائنة، وغسل أيديهم من كل فعلٍ غير محمودٍ قاموا به على مرّ التاريخ، أو تبريره بإعادة النظر فيه وتعديل سياقه التاريخي.سرقة العبقريات، وهدفهم من ذلك نسب كل عبقريةٍ واختراعٍ يؤثر في حركة الحضارة بشكلٍ ايجابي إلى أنفسهم وكأنّهم وحدهم أصحاب العقل والمنطق والتقدم الثقافي والحضاري على مرّ الزمان.إنكار المآسي واحتكارها لأنفسهم، فقد أنكروا مآسي الشعوب كلها وطمسوها وألغوها من قاموسهم وأثبتوا مأساة اليهود على أنّها المأساة اليهودية الوحيدة كالهولوكوست والتيه والسبي.
الكتاب على صغره غنيٌّ جدّاً بالمعلومات والحقائق، وقد صدر بطبعةٍ أنيقة عن دار ممدوح عدوان للنشر في 102 صفحة من القطع المتوسط، وهو كتابٌ ينبغي أن يدرّس في سائر الجامعات والأكاديميات العربية لما يحتويه من مادةٍ دسمة يغفل عنها الكثير من الناس والمثقفين العرب.
- تهويد المعرفة
- ممدوح عدوان
- دار ممدوح عدوان للنشر