ظل الريح

مراجعة رواية “ظل الريح” للروائي الإسباني “كارلوس زافون”

ادّعى وزير خارجيّة ألمانيا الأسبق يوشكا فيشر أنّ هذه الرواية ستجعلك لا تنام الليل، ولن تترك الكتاب قبل أن تبلغ النهاية.
قرأت هذا الكلام وأدرتُ له ظهري كوني لا أثق بآراء السياسيّين السياسيّة فكيفَ أثقُ بآرائهم الأدبيّة !! فتجاهلتُ كلامه ومضت أيام..


ثمّ رأيتُ الرواية تنتشر بكثرة وتعرضُ على واجهات المكتبات ولايفتأ القرّاء يصوّرونها وهي على طاولاتهم وبين أيديهم وبجانبِ فناجين قهوتهم، ثمّ عرفتُ أنّ الرواية نالت لقب أكثر الكتب الإسبانية مبيعاً في العالم بعد أن تجاوز عدد ترجماتها العشرين ورقم مبيعاتها تخطّى عتبة العشرة ملايين نسخة، فآثرتُ أن أنضمّ لهذا الحفل الصاخب وأقرأها وأتعرّف على هذا الروائي الذي ما سبق أن قرأتُ له شيئاً، فكان ذلك وسجلتُ هذه الملاحظات القصيرة التالية:

هذه الرواية هي باكورة رباعيّة منفصلة تدعى “مقبرة الكتب المنسيّة” وهي كالتالي :
ظلّ الريح، صدرت عام 2001
لعبة الملاك، صدرت عام 2008
سجين السّماء، صدرت عام 2011
متاهة الأرواح، صدرت عام 2016

تحكي الرواية قصة فتى اسمه (دانيال) اصطحبه والده إلى مقبرة الكتب المنسيّة، وهناك طلب منه أن ينتقى كتاباً ليقرأه ويصون صفحاته من مقاريض فئران المكتبات، والرطوبة، وعوامل الدهر على الكتب.

اختار الفتى رواية اسمها (ظلّ الريح) لكاتبٍ مغمورٍ اسمه (خوليان كراكس) فأُعجب بها غاية الإعجاب وقرر البحث عن كآفة مؤلفات الكاتب، في هذه الأثناء يخرج له رجلٌ غريب الأطوار بسمتٍ مرعبٍ وسحنةٍ شيطانيّةٍ مشوّهة اسمه (لاين كوبيرت)، اتّضح أنّ هذا الآخر يسعى أيضاً للحصول على كل مؤلفات (خوليان كراكس) ولكن ليس ليقرأها بل ليُضرم فيها النار ويتخلص منها عن بكرة أبيها.

تمرّ السنون ويكبر الفتى (دانيال) ولايزال يبحث عن مؤلفات كاتبه المفضّل، ويقابل خلال بحثه العديد من الشخصيات التي تمتّ للكاتب بصلة قرابة أو معرفة أو صداقة، ويبقى لغز الرجل المشوّه يلاحقه ويزرع الخوف والعراقيل في مسيرته، وهكذا حتى نصل إلى نهايةٍ غير متوقعة ومشحونةٍ بالفواجع والآلام والأحزان.

استحسنتُ ما فعله المترجم معاوية عبد المجيد من اتّباع أسلوب الترجمة المقارنة والتي رغم صعوبتها إلا أنّها تقدّم لنا أصدق ترجمةٍ عن النص الإسباني الأصلي.

أتوقّع أن يخرج من الرواية فيلماً سينمائيّاً يحبس الأنفاس فيما لو عُهِدَ به إلى مخرجٍ متمكّن الأدوات، إلا أن الكاتب صرّح عشرات المرات في تغريداتٍ متفرقة في حسابه على تويتر أنّه رفض كل عروض شركات الإنتاج ظنّاً منه أنّ الأفلام عادةً ما تسيء إلى النّص الروائي، وهذا موضوعٌ آخرٌ قد نجعله مثار حوارٍ بيننا في وقتٍ لاحق.

الرواية جميلة جداً، إلا أنّه يعتريها بعض ما يعتري الروايات الضّخام من حشوٍ زائدٍ للأحداث الثانويّة والعديد من الشخصيات التي لا لزوم لها والتي لو سألناها عن دورها في الرواية لقالت الجملة الشهيرة: (أحسّ أني بلا داعي … حضوري يشبه وداعي).

أنصح القرّاء أن يضعوا إلى جانبهم ورقةً وقلماً ليسجلوا فيها أسماء الشخصيات الكثيرة الواردة في القصة لأن كل الأسماء صعبةٌ على اللفظ وعصيّةٌ على الحفظ والقارئ الغرّ الذي لم يعتد بعدُ على الروايات الكبيرة قد يتوه مع كثرة الأسماء والأمكنة، خاصةً أن الكاتب يذكر الشخصيات مرّاتٍ بأسمائها و مراتٍ بكُناها، وهذا يتطلب من القارئ مهارةً جزيلةً في الحفظ والتذكّر.

صدرت الرواية عن دار مسكلياني للنشر/تونس في 520 صفحة من القطع المتوسط، وهي بالمجمل رواية جيّدة وقد صدق السياسي فيشر برأيه على غير العادة.

الفقرة التالية تحتوي حرقاً كاملاً لأحداث الرواية، إن نويتم قراءتها فحذارِ تخطّي هذا الحد.

في فصول الرواية يتّضح أنّ الكاتب (خوليان كراكس) عشق فتاةً غنيّةً تدعى (بينلوب) وقد عشقته هي الأخرى وحملت منه، عندما عرف والدها (ريكاردو آلدايا) المفرط في الثروة والمال والنفوذ ما أقدمت عليه ابنته العاقّة حبسها في قصره الباذخ، وعندما ولدت قتلها ودفنها مع وليدها في قبو قصره و ردم بابه بالطوب والحجر.

علم الكاتب (خوليان كراكس)ما حصل لحبيبته وابنه فاستغل أحداث الثورة في برشلونة وحرق قصر آل ألدايا الذي بات مهجوراً ، وناله من الحريق ما ناله فاحترق وجهه وانطمس سمتُه وصار أشبه بالشيطان بوجهٍ دون ملامح وبَدَنٍ نتنٍ مقيت الروائح، وعاش حارساً للقبرين يسكن القبو ويقتات على القليل وقد سمّى نفسه (لاين كوبيرت) على اسم أحد أبطال روايته ظلّ الريح.

أحبّ الفتى (دانيال) فتاةً تُدعى (بيا) وفي فصول الرواية الأخيرة تحمل (بيا) من (دانيال) ثمّ يتزوجها وتسير الأمور دون جديد، كنتُ أرى لو أنّ أهل (بيا) عاقبوا ابنتهم بمثل ما عاقب به أهل (بينلوب) ابنتهم، ثم تتكرر الأحداث التي وقعت لـ(كراكس) مع (دانيال) نفسه، ذلك لعمري سيكون أجمل وأشدّ تعبيراً عمّا يمكن وصفه بدورة الحياة وتكرار التاريخ لنفسه، ويمكن أن تكون هذه القفلة تمهيداً بديعاً للجزء الآخر من سلسلة مقبرة الكتب المنسيّة.

  • ظل الريح
  • كارلوس زافون
  • دار مسكلياني