عدوّي اللّدود

مراجعة رواية “عدوي اللدود” للروائية “جين ويبستر”

(جودي آبوت) شابة نشأت في ميتم (جون غرير)، وعندما بلغت مبلغ النساء ولاحظت إدارة الميتم حسن تعاملها مع باقي الأطفال منحتها الإدارة فرصة الإشراف على بعض الأقسام فتقبّلت (جودي) ذلك بالحبّ والإخلاص، ولاحقاً منحها السّخي الوقور (جيرفس بندلتون) منحةً للدراسة في الجامعة مُشترطاً عليها إيفاؤه برسالةٍ شهرية تثبت له تطورها في العلم والكتابة، وهكذا تمضي الرواية الأولى بالرسائل الموجّهة من (جودي آبوت) إلى (صاحب الظل الطويل) وقد نشأ بين الرجل والفتاة حبٌّ مخفيٌّ بين سطور الرسائل. ولمن أراد الإطلاع أكثر على رواية (صاحب الظل الطويل) أضع رابط المراجعة في التعليق الأول.

في رواية (عدوّي اللدود) وهي المتمّمة للعمل الأول نعرف أنّ (جودي آبوت وصاحب الظل الطويل) تزوّجا وعُهد إلى (سالي مكبرايد) صديقة (جودي آبوت) إدارة الميتم، فتسلمت (سالي) الإدارة على مضض وبدأت بتوجيه الرسائل إلى صديقتها (جودي) لتُطلعها على سير العمل في ميتم (جون غرير) والذي سيبقى ميداناً وحيداً لكلا الروايتين.

إذن هو كتابٌ آخر لمحبي الأدب الهزلي المازح، المبني برمّته على الرسائل الفكاهية، وقد قرأته بمتعة وكتبتُ حوله النقاط السريعة التالية:

تُثبت الكاتبة (جين ويبستر) حسّها الفكاهي الأصيل البعيد عن الابتذال والإسفاف، وقدرتها على رسم الإبتسامة على وجه القارئ دون أن تكرّر نفسها رغم أن العملين مبنيان على الأسلوب نفسه وتقنية السرد ذاتها.

من الظلم جدّاً اعتبار الرواية مجرد أدبٍ هدفه المتعة والإضحاك، العمل أعمق من ذلك بكثير، فالكاتبة تسلط الضوء على حياة أكثر من مئة يتيمٍ ولقيط لم يعرفوا للأسرة معنى؛ ورغم ذلك تنبّهنا الكاتبة أنّ لهم أملً بأن تتبنّاهم أسرةً ويعيشوا حياةً طبيعية كسائر الأطفال.

عند القراءة المجهرية للكتاب، والتدقيق في فحوى الرسائل المتتابعة، نلاحظ فرقاً في إدارة الميتم بين (جودي آبوت) و (سالي مكبرايد)، فالأولى نشأت بين جدران الميتم مكلومة القلب بالحسرة واليأس وعمق الجراح نتيجة فقد الأب والأم معاً، في حين أنّ (سالي مكبرايد) نشأت في كنف أسرة وعاشت طفولةً طبيعية، وهكذا نجد أن الفرق في نشأة الفتاتين ينعكس نسبياً في إدارة الميتم والتعامل مع ساكنيه.

لا تخلو الرواية من قصة حب خجول نشأ بين (سالي مكبرايد) وطبيب الميتم التي تحرص على تسميته (عدوّي اللدود)، فغالباً ما تتسم علاقتهما بالإضطراب والاختلاف المستمر ومع ذلك سنبقى نلاحظ أن وراء هذا الخلاف حبّاً صادقاً بين القلبين اليافعين.

نلاحظ تطوّراً واضحاً (أو نسبياً) في بعض شخصيات الرواية، وهو تطور طبيعي يناسب المدة التي تقطعها أحداث العمل الأدبي الذي يبدأ في 27 ديسمبر وينتهي بعد ثلاثة عشر شهراً، وهذه نباهةٌ أدبيةٌ أخرى تُحسب لصالح الكاتبة (جين ويبستر).

أثني كثيراً على الترجمة المحترفة التي قدّمتها (بثينة الإبراهيم) في كلا العملين، أثبتت المترجمة لغتها التي لا تخلو من ظُرفٌ وبساطة، فالنصّ الساخر إن لم يُترجم بالهوى الأدبي ذاته ينقلب إلى عملٍ ساذج ثقيل الدم وهذا ما لن نجده هنا بكل تأكيد.

صدرت الرواية عن منشورات تكوين ، وتقع في 365 صفحة من القطع المتوسط، وتشكل مع جزءها الأول ثنائية رائعة وشيّقة تناسب كل شرائح القرّاء.

  • عدوّي اللّدود
  • جين ويبستر
  • منشورات تكوين