مراجعة رواية الزهير للروائي باولو كويلو
اعلم – حفظك الله- أن أسباب المنازعات واضحةٌ بيّنة، وأن أصول الخصومات قد تفضي بين الأحبّة إلى الطلاق والهجران، لكنّ مراسلة الحروب (استير) عندما قرّرت ترك زوجها الأثير لديها وتستبدل به رجلاً آخر كان يعمل مترجماً لها، لم يكن ذلك ترجيحاً بين الرّجال ومفاضلةً بينهم، بل لأنّها أرادت ذلك فحسب، وذلك شأن الكثير من النّساء اللواتي لايملكن إلا اتّباع القلب والهوى، وما تمليه عليها العاطفة والجوى.
إذن تترك (استير) زوجها، وتحط بها الرّحال في سهوب كازاخستان إلى حيث تمتطي صهوة الخيول الجامحة وتسابق على ظهورها الرياح، وهناك في تلك القرية النائية كانت تعلم الصِّبية والنّسوة اللغة الفرنسية ويعلمونها نسج السجّاد من خيوطٍ فُرزَت بيديها المُحنّاة التي أتقنت الجدل والصبغ، ذلك الصُباغ الناجم عن ألوان الطبيعة، ولكل لونٍ زمانٌ وأوان..
“الزّهير” رواية جميلة للعبقري باولو كويلو ، وقد قرأتها للمرة الثانية وكتبت عنها النقاط التالية:
“الزهير” هو كل ما يعلق في الدماغ فيسيطر على التفكير كلّ الوقت، ومنه يُشتق الأسماء والصفات (زاهر، زاهرة، زهر) وهي تعني اللمعان والوضاءة تماماً كالفكرة التي لاتزال تضيء في الرأس فتلزمه ولا تفارقه، وما يرافقها من رسوخ الغيظ في القلب وشدة الصولة. في هذه القصة تحوّلت (استير) زوجة البطل إلى (زهير) أي أنها بعد غيابها الطارئ تحوّلت في عقله إلى سؤالٍ يبحث له طيلة الرواية عن جوابٍ يُفضي إلى ختامٍ معقول وجوابٍ مقبول.
“الزهير” رواية فلسفيّة بامتياز، وهي تجمع بين حركة الفكر الخاص بباولو كويلو وسيرته الذاتية، بل يُعتقد أن جزءاً كبيراً من مسار حياته الواقعي ذكره هنا بصدقٍ وواقعيّة لدرجة أنه حكى لنا بعض الظروف التي واكبت كتابة روايته الشهيرة (الخيميائي)، وأثار الكاتب الكثير من النقاط الفلسفيّة فأبطل بعضها وأيّد أخرى وترك سواها مفتوحةً للجدال والنقاش، ثمّ ألقى في آذاننا براهين المنطق و أحاطنا بمناظراتٍ فلسفيّة مبسطة وجميلة ولكنها حادت عن مسار الحكاية ونأت بها بعيداً لدرجة أنّني أعتبر أن هذا الكتاب هو كتابٌ فلسفي مسكوبٌ بقالبٍ روائي وليس العكس.
استخدم الكاتب (تكنيكاً) تقليديّاً يعتمده في كل مؤلفاته، فهو لا يميل إلى الحبكة القوية ولايدور في فلك القصة فقط، بل يبدأ بمسار الحكاية ثمّ يعرّج إلى فلسفاته الخاصة والانتصار لها ويحشر في هذا السياق الكثير من تجاربه الشخصية ومشاهداته في سفرياته وحجّه الذي لا ينتهي ولا يفتأ يذكره لنا في كل عملٍ جديدٍ له.
شخصياً أحبّ باولو كويلو وأقرأ له دوماً وأحاول تبرئته من تهمة الحشو الزائد ما استطعت، ولازلت أعتبر روايته (الجبل الخامس) هي أعظم رواية خرجت إلينا منذ عرفت البشرية فنّاً اسمه رواية، ولكنّني لا أميل لاعتبار (الزهير) أفضل أعماله بحال.
صدرت الرواية عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر / بيروت في 348 صفحة من القطع المتوسط، وهي رواية جيدة أنصح بها فقط لأولئك الذين امتهنوا المطالعة وداوموا عليها، أمّا القراء الجدد فلا أجد لهم من أعمال كويلو ما يناسبهم.
- الزهير
- باولو كويلو
- شركة المطبوعات للتوزيع والنشر
اقرأ أيضاً للكبير باولو كويلو : الخيميائي ، الجاسوسة ، بريدا ، رامي السهام .