مراجعة رواية ياسمين رماد أبيض للكاتب “مجد حرب”
مشكلة القارئ الكبرى أنّه يريد أن يكون مكان بطل الرواية إن أحبّه، أو يريد قتله ويتشفّى منه إن كرهه، أو يبقى محايداً يقرأ بمعزلٍ عن عواطفه الشخصيّة، وغالباً هذا ديدن القرّاء مع الروايات، فلا شك أنّ في الكتاب – أيّ كتاب- مرآةً تعكس شيئاً من نفوسنا وشخصياتنا.
بطل هذه الرواية حيّرني، فمرةً أتعاطف معه وأشفق على ما يمرّ به من محن، ومرّةً أشتهي أن تنزل عليه اللعنة في سياق الرواية أو يخرج عليه من بين حواشيها ما يقرّعه ليكون عِبرةً للخونة الذين يتركون زوجاتهم بحثاً عن حبٍّ عاصفٍ جديد.
هذا ما كان مني تجاهه، وقد قرأت الرواية في بضعة أيام وكتبت حولها النقاط التالية:أبرز ما أشيد به هو قدرة الكاتب على تقديم شخصياته، خاصةً أن تقديمهم كان عن طريق البوح المبطّن لا عن طريق السرد المباشر، وهذا أسرع في فهم شخصية الأبطال وتأثيراً في نفس القارئ، وأجزم أن كل من يقرأ الرواية سيصل به التماهي مع الأبطال أنه سينجح في تكهّن ردود أفعالهم حيال الأحداث الناشبة لشدة ما فهمه من عقليتهم وانسياقه مع ذواتهم.
بطل الرواية شابٌ طموح اسمه(يمان)، وهو ذو فكرٍ علماني يساري وصانع محتوىً على الشبكة العنكبوتية وله من الأنصار والمتابعين شيءٌ كثير.
يعشق البطل خلال الرواية ثلاث مرات، زوجته (ماري) التي يقدمها كزوجة وربّة منزل تقليدية لا يهمها إلا سعادة زوجها واستمرار هذه الأسرة الصغيرة، وهي بهذا الحال لا تجاري عقله وتفكيره المعاصر ولا تحلق معه لتحقيق طموحه، بل يجدها إسواراً من حديد يعيق تقدمه العلمي الذي يطمح إليه فيفرّ من سجنها للعمل في الكويت.
في الكويت يلتقي بعشيقته المغربية (ياسمين) الناشطة المدنية والممثلة المسرحية والمثقفة الواعدة التي يجد في كل تفاصيلها ما تصبو إليه روحه فيتخذها حبيبةً وخليلة ويلحق بها إلى المغرب، فيجالسها هناك مجالسة الندماء ويطارحها الحبّ العذري ويعصف بينهما عشقٌ مكنونٌ لم يُخلق على هذه الأرض ولم يبقَ بينهما إلا أن يضرب بيديه على مدار الفلك فيمسك لها النجوم والأقمار ليرصّع بهم جبينها العاجي، وهم على هذا الحال من الرومانسيّة الطاغية يكسر أخوها الباب ويهجم عليهم مع عُصبةٍ من أصحابه فينهالون عليهما بالضرب والرفس ما ينسيهما الفلك والأقمار جُملةً واحدة.
يبقى البطل (يمان) طريح الفراش في المستشفى أياماً ليرمّم جسده البالي وعظمه المكسور وهناك يأتيه خبر موت حبيبته (ياسمين) فينهار ما بقي منه معافىً وينفطر قلبه السقيم عليها، ولا يلبث أن يعود أدراجه إلى الكويت ثمّ إلى سورية حيث يطلّق زوجته الرحيمة(ماري) ويهدم لها حلمها الأخير بعودته إليها زوجاً محبّاً، ويطير بعيداً إلى كندا.
في كندا يحقق (يمان) شيئاً كبيراً من طموحاته في الحوسبة الكمومية وينال وظيفةً في شركةٍ محمودة الصيت ويلتقى ب(كارولين) التي ستكون حبّه الجديد، وهنا في الثلث الأخير من الرواية لا نجد ذكراً للراحلة (ياسمين) وكأنّ البطل بدأ يعيش حياةً جديدةً في عالمٍ جديد، لكنّ شيئاً ما يبقى في نفس القارئ أن ثمة نهايةً جميلةً ستجمع الحبيبين (يمان وياسمين)، وهذا ما ستكشفه الصفحات الأخيرة من الرواية التي لا ينصرف عنها القارئ حتى تملأ السعادة ثناياه لهذه القفلة المُرضية.
اعتمد الكاتب تقنية البطل الراوي والحوار الطويل، أمّا السرد فكان وجدانيّاً أكثر منه مُتّكأً لقيادة الأحداث، وفي الغالب الأعم جاءت جُمله طويلة ومعتمداً على الفصحى في متن الرواية كلها.
صدرت الرواية عن دار كيوان للنشر في 186 صفحة من القطع المتوسط. وهي باكورة أعمال الكاتب(مجد حرب) الذي يمكن اعتباره بعد هذه الرواية خبيراً في أسرار القلوب التي تنصبغ بحبر الحبّ فيخرج منها ما يخفق ويزفر ويئن.
- ياسمين، رماد أبيض
- مجد حرب
- دار كيوان للنشر