عاهرة ونصف مجنون

مراجعة رواية عاهرة ونصف مجنون للروائي حنا مينه

في مثل هذه القصة نجد توثيقاً دقيقاً لحالة الكاتب النفسية والعقلية، سيعلم القارئ وسط هذا الخراب الروائي أن الكاتب لم يكن نصف مجنون كما وصف نفسه، بل بلغ الحد الأقصى للجنون الكامل، ودون أن يمتلك المقدرة على العودة إلى المناخ الأدبي، والواقع، هذا ما كان بالضبط إذ تعدّ هذه الرواية آخر عملٍ أنهى به “حنا مينه” مسيرته الأدبية.

وإذ أستحي أن أستهلّ مراجعتي بهذه المقدّمة، وخاصةً أنّ “مينه” من أعز الروائيين إلى قلبي وأكثرهم حوزاً على إعجابي، لكنّي لا أجد بُدّاً من الإنصاف والحياد في كتابة المراجعة مع احترامي البالغ سواءً لمن يُقبل عليها بالترحيب أو بالانتقاد.

تنقسم نوفيلا “عاهرة ونصف مجنون” إلى فصلين اثنين يتنافسان في الفحش والبذاءة لغةً، وفي الركاكة أسلوباً. ولايشبهما شيءٌ إلا الطرق على الأواني الفارغة، ولن يجد القارئ إيجابيّةً واحدة تُقيم أودَ هذا النص أو تنهض بمعماره الروائي ليؤدي وظيفته المحتملة.

بطلة الرواية هي “لورانس شعلول”، ابنة السّكير “فطيّم” والمستهترة “مردوش” اللذان كانا يتطارحان الحبّ على مرأى ومسمع من أبنائهم الصغار، وتشاركهم “لورانس” الصغيرة ذاك الفراش حيث تنام خلف أمها وتشعر بحركة السرير الرتيبة وتسمع الحمحمة والزمجرة والسُّباب الذي يدأب عليه أبوها خلال المعاشرة إثباتاً منه للهيمنة والذكورة الناقصة.

تكبر “لورانس” وتستعر عندها الرغبة الشّهاء، ويصيبها داء الشبق اللاهب وراثةً عن أبويها؛ فتستقبل ضيوفها على سرير اللذة ممتهنةً صناعة بيع الجسد والعلاقات المأجورة التي يرافقها خلوّ الفؤاد من الغرام، متكسّبةً رغيف الإثم من تلك النقطة التي في أسفل بطنها، وسنعلم لاحقاً أنّ امتهانها الدعر لم يكن بقصد المال بقدر ما كان افتضاحاً لأهلها ونكايةً بالفضيلة!!

هنا، يبدو أن الكاتب أعاد قراءة مسودة روايته فرأى أن الدعر لم يبلغ منتهاه فاقترح عليه باله اقحام الشذوذ، فوضع في درب حياة “لورانس شعلول” امرأةً غنية نزعت بها في هوىً ضال وممارساتٍ جانحة، فعشقت تلك الصبية الفتية “لورانس” التي أوقظت عندها ذلك النائم الحالم.

تكبر “لورانس” وتصير كاتبةً معروفة، وتقدّم لقرائهاً نصّاً روائياً يحكي عن طفولتها المهدورة في ذلك البيت الذي لا يعرف شميلةً محمودة، وتطلب من الروائي “نصف المجنون” نقد كتابها أو تقريظه؛ وهنا يبدأ فصل الرواية الثاني الذي يستهله الكاتب بحكاية سيرته الذاتية حيث تدخل الرواية في سلبيةٍ أخرى هي الحشو الزائد وفضول الكلام غير المترابط وكأنما طنبور الرواية ينقصه هذا النغم!

شخصيّاً أحبُّ “حنا مينه” وسأبقى على عهد حبّي لأدبه، لكن هذا لايمنعني من القول أنّ هذه الرواية واحدةً من أعماله التي يتعذّر عليّ إقناع نفسي أنّه كتبها وهو في أهليّةٍ تامة، أو واعٍ لما كان يكتب.

صدرت الطبعة الأولى من الرواية عن دار الآداب عام 2008، وتقع في 95 صفحة من القطع المتوسط، وهي بالمجمل رواية ركيكة، ضعيفة، قليلة أدب، لاتقرؤوها ولاتنصحوا بها أحداً.

  • عاهرة ونصف مجنون
  • حنا مينه
  • دار الآداب