مراجعة قصة عاشق مولع بالتفاصيل” للكاتب الباحث “ألبرتو مانغويل”
كنت أتوقّع هذه المواجهة وأخشاها؛ وهي أن أقرأ لكاتبٍ عظيم فلا يُعجبني كتابه فأقع في الحيرة؛ بين أن أتراجع عن كتابة المراجعة ككل، أو أن أكتبها موضّحاً فيها رأيي الصريح تاركاً لمحبي الكاتب الأخذ بحسن نيّتي وأنّ هذه المراجعة لاتخرج عن كونها رأيٌ شخصيٌّ ليس الهدف منه انتقاص أحد، ولازلت -بعد هذه المراجعة- أنظر للكبير (ألبرتو مانغويل) نظرة التلميذ لأستاذه باعتباره أبرز باحثٍ في تاريخ الحرف والكلمة والقراءة..
صدر للباحث الأرجنتيني/الكندي (ألبرتو مانغويل) كتباً كثيرة منها (تاريخ القراءة)، (فن القراءة)، (يوميّات القراءة)، (المكتبة في الليل) وغيرها كثير تدور معظمها في فلك القراءة وحبّ الكتب والمكتبات..
عالميّاً لايُعرف (مانغويل) كأديبٍ وروائي بقدر شهرته كباحثٍ ومؤرخ، لذلك لا تلقى أعماله الروائية شهرةً كسائر أعماله، وقد بحثتُ عن أعماله الأدبيّة فوقعت يدي على نسخةٍ إلكترونيّة من روايته القصيرة (عاشق مولع بالتفاصيل) فقرأتها وكانت الطّامة التي أختزلها في النقاط التالية:
لا أخجل من قولي أنّني لم أفهم هذه الرواية -إذا جاز تسميتها رواية أصلاً- ولم أفهم المقصد والمُراد منها، إذ لم يصلني شيء ممّا أراده الكاتب، ولا أظنّ أنه أراد شيئاً منها.الرواية على قصرها تأتي مرتابة في كل شيء، أحداثها المتقطّعة يفصل بينها أحاديث طويلة عن مواضيع بعيدة لا تخدم العمل، ولولا أنّني تحاملت على نفسي لإكمالها (كوني وعدتُ أصدقاء الصفحة بكتابة مراجعة عنها) لولا ذلك لتركتُها منذ الصفحة الثالثة.
تدور أحداث الرواية في مدينة (بواتييه) وتحكي قصة الشاب ذي التسعة عشر عاماً (فازانبيان) المولع بالوحدة والبُعد عن الناس، ولكنّ ذلك لايمنعه من مراقبتهم والتلصّص على حركاتهم وكلامهم وأجسادهم وملابسهم.
يحظى المذكور فرصة العمل في حمّامٍ عمومي حيث يجلس وراء هوّةٍ منخفضة ويقطع التذاكر للرجال والنّساء الوافدين لغسل أجسامهم من الأدران النتنة، وهو من خلال تلك الهوّة الواطئة لا يجد منهم إلا أصابع أيديهم فيهيم في حركاتها والتدقيق في تفاصيل الكف والإصبع والجلد والرسغ والعُقلة، ثمّ يتبعهم إلى الداخل فيختلس النظر إليهم من خلال شرخٍ في الباب الخشبي فيزدهي بالفرجة على الأجسام العارية التي تقطر ماءً تحت (الدشّ) الساخن.
يتعرّف (فازانبيان) في هذا الوقت على مصوّرٍ ياباني يفتح مكتبةٍ قريبةٍ من الحمّام العمومي، فتحصل بينهما صداقةٌ عميقة، وبموجب هذه الصداقة يُعلّم الياباني (فازانبيان) حرفة التصوير وأصولها، وبعد حين يرث عنه الكاميرا ويبدأ (فازانبيان) مرحلةً جديدةً من الخوض في التفاصيل، هذه المرّة تكون بتصوير الأجسام من شرخ الباب وتعليقها على جدران بيته وفوق سريره.
يبدو أنّ (فازابيان) يعاني علّةٍ نفسيّةٍ تستعصي على الشفاء، فمرّةً تبع رجلاً سميناً يحمل دجاجةً مذبوحة، تبعه إلى داره وتسلق الجدار وبقي متدليّاً هناك ساعتين لا لشيءٍ إلا ليشاهد الرجل كيف سيطبخ الدجاجة ويأكلها ويصوّره، وأعترف هنا أن الكاتب قدّم لنا تفاصيلاً كثيراً تجعل القارئ يشتهي الدجاج المشوي بالفرن مع البطاطا المقرمشة والخُضار السوتيه، وهي من حسنات الرواية لاشك.
عمليّاً لم يبقَ من أحداث الرواية شيء يستحق الذكر، وإنّي إذ أدعوكم لقراءتها فقط لتبرئتي من تهمة الانتقاص من القيمة الأدبية لهذه الرواية.
صدرت الرواية عن دار الساقي ، وقرأتها بنسخة pdf في 95 صفحة، وقد أضاع المترجم (يزن الحاج) وقته في ترجمتها، لكنّها ترجمة سلسة بكل الأحوال.
- عاشق مولع بالتفاصيل
- ألبرتو مانغويل
- دار الساقي