صور من حياة التابعين

مراجعة كتاب “صور من حياة التابعين” للباحث الدكتور “عبد الرحمن رأفت باشا”

يحتفل العالم الإسلامي في مثل هذه الأيام بذكرى ولادة الأديب العربي الكبير (عبد الرحمن رأفت الباشا) (ولد في 17 رمضان عام 1338 هجرية) ، وهو النائب الأسبق لرابطة الأدب الإسلامي العالمية، والذي تذكره الأوساط الأدبية والدعوية بكونه منافحاً عن لغة القرآن، وداعياً إلى أدبٍ رفيعٍ يسمو عن التعابير الفاحشة والتراكيب الشاذة إلى أدبٍ يحترم النفوس، ولا يسيء الأدب مع الشرع، كما لا يكتفي بجمال التعبير وإبداع التصوير، بل يشترط أن يكون ممتعاً نافعاً هادفاً معاً.

عمل الدكتور الباشا رحمه الله على توسيع نطاق التعريف بهذا الأدب اليتيم ـ كما كان يُطْلِق عليه في بعض المناسبات ـ وذلك من خلال برنامج إذاعي سجلت حلقته الأولى إذاعة الرياض في 30/4/1395هـ، وقد أربى عدد حلقاته على ( 240 ) تحت اسم مع أدب الدعوة الإسلامية.

نلاحظ في كل مؤلفات الدكتور (عبد الرحمن رأفت الباشا) لغةً جزلةً متينة، حيث يبني في سليقةٍ أدبيةٍ غضّة تراكيبَ فصيحةً ينافس بها النحوييّن قديمهم وحديثهم، ولاعجب في ذلك فهو خريج المدرسة الخسروية في حلب، وهي أعرق مدرسةٍ شرعيةٍ في سورية قاطبةً، ثمّ تنقّل طالباً وأستاذاً في جامعاتٍ شتى حتى تقلّد منصب رئيس قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة.

يُعتبر كتابه (صور من حياة التابعين) الأشهر بين أعمال الأديب الراحل، والأقرب إلى عموم القرّاء، يصوّر من خلال هذا السِّفر الجليل حياة أحد عشر تابعيّاً، تلقوا العلم صرفاً من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وعضّوا على السنّة الشريفة بالنواجذ، وتأسّوا بصاحبها صلوات الله وسلامه عليه.

من هؤلاء التابعين: محمد بن علي بن أبي طالب (محمد بن الحنفية)، وطاووس بن كيسان، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصّدّيق، وصلة بن أشيم العدوي، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء بن أبي رباح، وعامر بن عبد الله التميمي، وعروة بن الزبير، والربيع بن خُثيم، وإياس بن معاوية المُزني، وعبد الملك بن عمر بن عبد العزيز رضوان الله تعالى عليهم جميعاً.

الكتاب غنيٌّ في لغته وعظته، وقد استمتعت بقراءته كوني محبّاً للغة العربية الفصيحة، ولم يقع في يدي كتابٌ لكاتبٍ معاصر في مثل هذا المستوى من عريق اللغة وفصاحتها منذ زمن ،اللهم إلا أعمال المنفلوطي والرافعي والعقاد ومن نهج نهجهم وسلك دربهم.

لا أستطيع أن أذكر هذا الكتاب دون أن أعرّج على ذكر كتاب آخر لايقلّ أهميةً عن سابقه، وهو كتاب (مواقف وعبر من حياة التابعين)، لمحمد علي قطب، وهما كتابان هامان في مثل هذا الزمن الذي تشعّبت فيه المسالك، وغُمّيت فيه الدروب، وتضاءلت فيه الأحلام، وتقزّمت فيه الرّجال، وانعدمت القدوات والأمثال.

صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عام 1982 عن العبيكان للطباعة والنشر / السعودية، ويقع في ستة أجزاء ضمن مجلدين مجموع صفحاتهم حوالي (٣٢٠) صفحة من القطع المتوسط. وهو كتابٌ ينبغي أن يُمرّر ضمن مناهج الجامعات لضرورته اللغوية، وبديع سبكته وصياغته التي قلّ نظيرها في أعمال المتقدّمين.

  • صور من حياة التابعين
  • عبد الرحمن رأفت باشا
  • العبيكان للطباعة والنشر