مراجعة رواية صاحب الظل الطويل” للكاتبة “جين ويبستر”
عندما صدرت الطبعة العربية من هذه الرواية لم ألقِ لها بالاً، ورغم أنها ترتبط عندي بذكريات الطفولة البعيدة لكنّي تصرّفت حيالها كأنّها (قضية خاسرة) يجب ألا أضيّع وقتي معها، لكنّ كثرة الحديث عنها ثمّ اختيارها لتكون محور نقاشٍ قادم مع مجموعةٍ من أصدقائي القرّاء المخضرمين، بدّل ذلك من موقفي حيالها فاشتريتها وقرأتها في جلسةٍ واحدة، وخلال ذلك اكتشفتُ فيها أشياءً أعمق بكثير ممّا شاهدناه على الشاشة، وربّما تحتوي بعض الأسرار التي لم ينتبه إليها الكثير من القرّاء، وهي دروسٌ يُستفاد منها بالفعل، أضعها لكم في ذيل النقاط التالية:🔸️تحكي الرواية قصة الفتاة اليتيمة (جودي ألبوت) التي قضت طفولتها في ميتم (جون غرير) والتي ما إن بلغت الثامنة عشر من عمرها حتى منحها أحد الأوصياء فرصةً مدفوعة التكاليف للالتحاق بالجامعة، مشترطاً عليها أن تصير كاتبةً متمكّنة في المستقبل، ولتثبت له تحسّن مستواها في الكتابة كان عليها أن توافيه برسالةٍ واحدة كل شهر، وإن قصّرت في هذا الواجب الإلزامي فإنّها ستفقد حقها في منحته السّخيّة..
لم تتعرف (جودي) على هذا الشخص ولم تعرف له اسماً سوى اسمه المستعار (جون سميث) ولم ترَ منه سوى سقوط ظله على درج الميتم وصولاً إلى جداره، ثمّ غادر سريعاً قبل أن ترى وجهه فأسمته (صاحب الظل الطويل)، أمّا الرسائل فكانت تسلّمها إلى وسيطٍ بينهما هو سكرتيره وأمين أسراره السيد (غريغز).
تنقضي سنوات الجامعة الأربع وهي لاتزال تكتب له رسائل كثيرة تزيد عمّا طلبه منها، تحكي له فيها كلّ المواقف التي تتجدّد معها في حياتها أو خلال تلبيتها لدعوات قضاء الإجازات في مزرعة (لوك ويلو)، والتي تتعرّف فيها على (جيرفيس بندلتن) والذي تؤثر شخصيته الجادّة بها وهي تتعلق به كصديقٍ مقرّب، ثمّ يحين موعد اللقاء المنتظر بين (جودي ألبوت) ووصيّها (جون سميث)، والحقيقة أنّ نهاية الرواية لن تحمل مفاجأةً كبيرة كون القارئ الحصيف سيحزر شخصيّة الوصيّ منذ منتصف الرواية.
خلال أربع سنوات من المراسلات الجارية من طرفٍ واحدٍ لم يُجب الوصيّ على كل تساؤلات (جودي) المطروحة، ولم يستجب لأيٍّ من دعواتها، ولم يتفاعل معها سوى بإرسال باقة وردٍ خلال وجودها في المشفى، هنا تقدّم لنا الكاتبة شيئاً متأصّلاً في طباع الإناث الرقيقات، فقد سامحته عند تسلمها الورود وأسقطت له كل انتقاداتها وتجاهله الكامل لها وعادت تكتب رسائلها بروحٍ مرحة مُتصالحة، في هذه الناحية من الرواية كشفٌ صريحٌ لطيبة قلب (جودي) وسرعة غفرانها لمن تحب وكذا سائر الفتيات بحسب ظنّي..
يصعب تحديد جنس هذا العمل الأدبي، فهو بين الرواية وأدب المراسلات وإن كنتُ أميل للرأي الأول، ويتّضح بسهولة أن الروائيّة (جين ويبستر) كتبت عملها بعفويّة بالغة وبحسٍّ ساخرٍ فكاهيٍّ مرح.
تقدّم الروائيّة أحد أهم أسرار الكتابة، وهذا السرّ لا يستغني عنه كلّ من يريد أن يشتغل في صنعة الأدب، هذا السر هو الالتزام الصارم بالكتابة وإن جافى (وحي الكتابة) صاحبه، أذكر مرةً أنّني استمعت للكبير (نجيب محفوظ) تصريحاً يقول فيه أنّه يُلزم نفسه بالكتابة بشكلٍ يوميٍ حتى وإن لم يجد في باله ما يكتبه، وهذا ما بطّنت به الكاتبة روايتها خاصةً أنها سليلة أدبٍ وثقافة وخالها هو الكاتب الأمريكي الشهير(مارك توين).
في الرواية شيءٌ لم أستطع تحديده وأتمنى ممّن قرأ الرواية أن يشاركنا رأيه: هل أحبّت جودي وصيّها كأب أم كحبيبٍ وزوجٍ مستقبلي ؟؟ لأنّه في الرواية إشارات عديدة تؤكد الفرضيتين!! ولم أستطع تحديد موقفها الصريح من الوصي.
صدرت الرواية عن منشورات تكوين / الكويت في 233 صفحة من القطع المتوسط، وهي إحدى الروايات الخالدة التي أجمع غالبية القرّاء على روعتها رغم اختلاف مشاربهم.
- صاحب الظل الطويل
- جين ويبستر
- منشورات تكوين