شاي بالنعناع

مراجعة كتاب “شاي بالنعناع” للكاتب “أحمد خالد توفيق”

كنت في زيارة لبيت أحد أصدقائي، كان ذلك في ليلةٍ باردة من عام 2007، وكنت وقتها لم أقرأ شيئاً (لأحمد خالد توفيق) ولم أسمع به أصلاً، يومها وبدافع الفضول كنت أقلّب في مكتبة صديقي الزاخرة حتى وقعت عيني على رواية جيب صغيرة، فاستغربت منه أن يقتني في مكتبته مثل هذه الروايات التجارية الموجّهة للصغار والفتيان وهو القارئ العبقري الذي أتبادل معه رواياتٍ عالمية قضى أصحابها سنوات عمرهم في كتابتها والعمل عليها، فأخبرني ألا أنخدع بحجم الرواية وطباعتها الرخيصة فهي واحدة من سلسلة طويلة لكاتب مصري شهير، فاستعرت منه إحدى هذه الروايات وأذكر أن اسمها كان (الأبجدية)، فذُهلت بما قرأت، ولم تعجبني القصة بقدر ما أعجبني أسلوب الكاتب الساخر والمشوّق في آن، فاستعرت منه رواياتٍ أخرى ثمّ اشتريتها من المكتبات فأدمنت عليها ولشدة إعجابي بأسلوب الكاتب ورسم شخصيّاته كتبتُ له خطاب محبةٍ وشكرٍ وأرسلته في البريد المُستعجل، ومن يومها وحتى السّاعة أعتبره واحداً من أبرز كتّاب مصر في العصر الحديث.

في هذه التدوينة أسجّل موقفي ومراجعتي لكتابه (شاي بالنعناع) وهو أول كتابٍ أقرأه له بعيداً عن رواياته الماتعة.

يقدّم الكاتب مؤلفه بتعريفٍ دقيق ويحكي لنا قصّته من لمّا توقّف عن النشر في زاوية (الآن نفتح الصندوق) في مجلة (الشباب) التابعة لصحيفة (الأهرام)، وبداية سلسلة مقالاتٍ جديدة لفائدة المجلة ذاتها، وقد اختار لها عنوان (شاي بالنعناع) لظنّه أنّه يريح النفس ويجلو الخاطر.

في مقال (القُصاصة مازالت في جيبي) يُحدّثنا العرّاب عن خطواته التي تسبق كتابة مقالٍ أو قصّةٍ ما، وكيف أنّه يحرص على تدوين (كلماتٍ مفتاحيّة) في قصاصةٍ يضعها في جيبه ثم يؤرشفها في حاسوبه ليعود إليها وقت الحاجة، هذا المقال جميلٌ وهام لكلّ من يحب التعرّف على طقوس (الدكتور أحمد) عند الكتابة.

في مقاله (إعلانات حتى الممات) يستنكر الكاتب خرق التابوهات والخوض في المحظور من قبل المعلنين لمجرد ترويج البضائع وتحقيق المكسب، ويعتبر ذلك غزواً ثقافياً يدخل إلى الناس في عقر دارهم والدولة تنام في العسل.

في مقال (يوم الوحش) يتحدّث (د.أحمد) عن ارتباط الرقم 6 بالشيطان في ثقافة الغرب، وعلاقة ذلك بمعبد تحوت الفرعونيّ الذي يقع في مدينة (هرموبوليس) في منطقة المنيا/مصر.

في مقاله (ذكريات رقميّة) يحدّثنا المؤلف عن فنون ضرب الأعداد في بعضها وأنّ ما يعتقده البعض صعباً في جداء الأرقام هو ببساطة عملٌ سهلٌ ينطوي على عمليةٍ ذهنيّةٍ دقيقة وسريعة.

في مقالاته (رجل دقيق، الشهر العاشر، ضيف غير مرغوب فيه، خدمه لمدام ايفون، شيفرة أخرى، كتاب ثمين.. وغيرها) يخرج الكاتب عن قالب المقال ويعود إلى أسلوبه في سرد القصص المشوّقة حول الشيفرات والأرقام والألغاز التي يعجز عن حلها دون مساعدة صديقه الضيف الثقيل (عصام).

قسّم الكاتب مقالاته لزمنين مختلفين: مقالات ما قبل الثورة، ومقالات ما بعد الثورة، شخصياً أمتعني الجزء الاول أكثر، لأنّ الكاتب حاول أن يبقى في مقالات ما بعد الثورة حياديّاً تجاه بعض المواضيع السياسية الدقيقة، وبدى أنّه مضطرب بين فكرتين : الأولى هي أن يحدّد موقفه الصريح من كلّ ما يجري وهذا يعني فقدانه لشرائح كبيرة من قرّائه، وبين أن يلجأ إلى برّ الحياد والأمان، وهكذا نجده اختار الموقف الثاني وعاد إلى حكاياته الملغوزة بالأرقام والشيفرات.

لا أظنّ أنّ هذه التجميعة من المقالات والقصص هي خير انتاج العرّاب، عمليّاً هي تفتقد للانسجام، وهذا لايتحمّله الكاتب كون هذه هي طبيعة مثل هذا النوع من الكتب.

صدر الكتاب عن كيان للنشر ويقع في 220 صفحة من القطع المتوسط، وأنصح بغيره لمن سيقرأ للعرّاب (د.أحمد خالد توفيق) للمرة الأولى.

  • شاي بالنعناع
  • أحمد خالد توفيق
  • كيان للنشر