حبيبي قارئ الكف

مراجعة رواية “حبيبي قارئ الكف” للكاتبة “ديانا الدكرلي”

في قلب الأنثى مساحةٌ لا تحتمل إلا الحب، في قلبها شجرةٌ لا تتساقط أوراقها من يُبسٍ وعطش سوى يُبس اللقاء وبرود الحبيب، هذه قصة فتاةٍ نبتت شجرة حُبِّها في مغرسٍ طيِّب، ثم أجدبت من إهمال الحبيب، ففاتتها الفراشات ولفَّ نهارها ليلٌ حالك.
هي قصّة فتاةٍ رقيقةٍ كحملٍ وديع نقع فيه الثعبان نابه المسموم.

“ديانا الدكرلي” كاتبةٌ سورية حديثة العهد بالقص والتأليف، وعلى الرغم من ذلك فإنَّ أسلوبها الرهيف ينمُّ عن حكَّاءةٍ متمرِّسة وكأنَّ لها في التدوين باعٌ طويل.

“في البداية كانت سعادةً تفوق الشبهات… غامرتُ فيها بكل قلبي… لم أسمح لعقلي بالتدخل حتى!”

بهذه الكلمات البسيطة تستفتح الكاتبة روايتها؛ وقد لخَّصت بهذه الجُمَل المختصرة أسبابَ الكارثة التي يقع فيها أكثر العشاق دون وعيٍ منهم، “فالحب أعمى” وعماه هذا يُزلق الأرجل في الهاوية كما يزلق القلوب في حميمٍ لا خلاص منه.تحكي (ديانا الدكرلي) في روايتها الأولى (حبيبي قارئ الكف) قصة فتاةٍ مشغولة بعملها الطويل، ولايعنيها إلا الكدُّ والعمل ومعونة أسرتها، حتى اقتحم حياتها رجلٌ بارعٌ في اصطياد القلوب، واستطاع بكلامه المغموس في العسل أن يشتري قلبها الغضَّ بأبخس الأثمان حتى تورَّطت معه في حبٍّ جائر، فما إن تلألأ حبُّهما في عين الشمس وطارت به على أجنحة الملائكة انقلب عليها كالأسد الضاري الذي شبع من فريسته الهزيلة، فنحَّى حبَّهما جانباً، وعاملها بالجحود والنكران وبكثيرٍ من الأباطيل والوعود الكاذبة، ولم يهمُّه في ذلك قلبَها الممزَّق ونفسَها المضعضعة وعواطفها التي تغلي في مرجل قلبها المكسور، حتى صار حالها معه متذبذبٌ بين إقرارٍ وإنكار؛ إقرارٌ بالحب يثبته الكلام، وإنكارٌ له تؤكده الأفعال.

“هكذا أنت دائماً.. تسمع عنِّي قبل أن تسمع منِّي.. وتغضب قبل أن تفهم.. لا أعلم كيف لامرأةٍ مثلي أن تحبَّ رجلاً يشكِّك بحبّها له وصدقها وأمانتها؟”وتستمر الرواية هكذا.. دون أحداثٍ مفصلية، حتى نصل إلى فصل الرواية الأخير؛ إذ تكتشف الفتاة في حادثة الختام ما غاب عن بصرها وبصيرتها تلك المدة كلها، فرأت منه الآن ما كان عليها توقُّعه منذ أن قرأ لها كفَّها في بداية الرواية حجةً منه ليداعب خطوط يديها، فهل تسامحه أم تضعه خلف ظهرها وتنطلق بقوة إلى حياةٍ جديدةٍ ليس للكاذبين حصَّة فيها؟ هذا ما يكشفه فصل الرواية الأخير المليء بالأحداث والمفارقات.

“لم يصدِّقني أحد وحتى أنا لا أصدِّق ما رأيته ولكن يجب أن أفعل لئلا أجنَّ أكثر من الحدّ المسموح به..!”ويمكن القول أن الكاتبة أسهبت كثيرًا في وصف حال الفتاة وخطابها الداخلي مع نفسها وحبيبها؛ هذا الحوار الذي جاء مُباشراً وحارّاً، وكأنَّ الروائيّة تكتب بقلبها لا بعقلها، ولكنَّ هذا القسم من الرواية جاء في وسطها وهو خالٍ من الأحداث والدوافع؛ ما جعلها رتيبةً وبطيئة في هذا الجزء، وسيمضي فيه القارئ مستعجلًا ليرى ما سيؤول إليه حال الفتاة مع حبيبها المزعوم.

“كيف أحبّك هكذا دون حدودٍ أتوقَّف عندها؟.. لا حدود لي في حبّك.. إنَّ حدودي في الحب تفوق السموات السبع لا حدود توقفني عن الاستمرار في حبِّك والتنازل.. إنّك قلبي الثاني.. رئتي الثالثة.. حياتي الأخرى.. إنّك عيوني يا أدهم”.أحسنت الراوية بالإتيان على ذكر أهل البطلة وأصدقائها، ولكنَّ دورهم في أحداث الرواية غير مجدٍ وبلا حيوية، وكأنّها ترمز إلى وحدة البطلة ومعاناتها التي لم تخرج للعلن، بل بقيت تنهش فيها في عتم الليالي والظلام.
“علمني أبي آلاف المبادئ والقيم.. التي أستخدمها في حياتي اليومية.. ولكنَّ أعظم ما علمني إياه هو مبدأ الفقد.. أن أعتاد الفقد..!”

أما من الناحية الفنية للطبعة، فيُؤخَذ على الكاتبة – كما تُلام دار النّشر على ذلك أيضًا- وجود بضعة أخطاء إملائية ونحوية كان يمكن تلافيها لو راجعها مُدقق لغويٍّ قُبيل إصدارها.
ويُشاد بالكاتبة إغفال اسم البطلة على الرغم من أنَّها سمَّت كلّ الشخصيات الواردة في الرواية ومهما كان دورها باهتًا وثانويًّا؛ إشارةً منها أنَّها قصة كلّ فتاةٍ من كسيرات الخاطر، واللواتي تتكسَّر أجنحتهنَّ مع أول نسائم الحب.

صدرت الرواية عن دار استانبولي وتقع في 173 صفحة من القطع المتوسط، وهي بداية جيدة جداً لكاتبة مبتدئة بدأت تشق طريقها في عالم الرواية الفسيح..

  • حبيبي قارئ الكف
  • ديانا الدكرلي
  • دار استانبولي