السياسة والحيلة عند العرب

مراجعة كتاب “السياسة والحيلة عند العرب”

في مطلع القرن الماضي كان باشا مصر (محمد علي الكبير) يفتح بلاده على الحضارة الأوروبية، فيغرف منها ترجمةً واقتباساً وتعلّماً في كل المجالات وكلّ الفنون. ومن جملة ما بوشر بترجمته كتاب الأمير لميكافيللي. وكان الكتاب يُوجَّه مباشرةً لحاكم مصر للإطلاع عليه والإستفادة. ولكن (محمد علي) وبعد قراءة فصلين فقط، أمر بإيقاف الترجمة لأنه على حد تعبيره يعرف من الحيل أكثر مما يعرف هذا الأمير الأوروبي.
وهذه الواقعة ليست الوحيدة التي تشير إلى تقدم التجربة العربية والإسلامية في فنون الحكم والسلطة. بل إنّ التاريخ العربي الإسلامي يفيض بالشواهد والدلالات على إتقان لعبة السلطة والحكم في هذه المجتمعات. حتى إنّ بعض حكام أوروبا لم يجد غضاضةً في أن يتوجه إلى السياسيين العرب كي يتتلمذ على أيديهم في هذا المجال، كما حصل لفريدريك الثاني أمبراطور ألمانيا في القرون الوسطى. وعلى صعيد آخر، ميكافيللي نفسه مؤلف كتاب الأمير وهو أشهر الكتب عن الإمارة أو فن الحكم والسياسة، فقد تأثر هو الآخر بالفكر الشرقي وذلك عبر تجّار البندقية وهي الإمارة الأكثر احتكاكاً بالبلاد العربية والإسلامية آنذاك.

(السياسة والحيلة عند العرب) كتابٌ مجهول المؤلف، ولكنّه ممتعٌ ومشوّق جدّاً، يمكن قراءته في يومٍ وليلة، وقد قرأته كذلك وكتبت عنه الملاحظات الآتية:أنوّه -بدايةً- أن الكتاب لمحض التسلية فقط، فالمعلومات التاريخية فيه غير موثوقة؛ رغم أن المؤلف (الذي لم أقف له على اسم) يسرد لنا في مقدمته أزيد من مئة مرجع، لكنّ في مراجعه تلك نظر، وفي مؤلفيها قولٌ وجرحٌ كبير.

يقع الكتاب في عشرة أبواب، هي:
1- في فضل العقل وماقيل فيه.
2- في الحث على الحيل واستعمالها.
3- في حكم الله ولطفه وحسن تدبيره بعباده.
4- في حيل الملائكة والجن.
5- في حيل الأنبياء عليهم السلام، ومن ادّعى النبوّة.
6- في حيل الخلفاء والملوك والسلاطين.
7- في حيل الوزراء والعمال والمتصرّفين.
8- في حيل القضاة والعدول والوكلاء.
9- في حيل الفقهاء.
10- في حيل العبّاد والمتزهّدين.

يقدّم الكاتب في أبوابه (الثالث، والرابع، والخامس) تفاسيراً غير معتمدة عند جمهور العلماء، بل يُغرق كتابه بالإسرائيليات وبعض التفاصيل غير الدقيقة لقصص قرآنية دون أن يحدد المرجع الذي اعتمده في سرد القصة. الشيء الذي ينتقص من الكتاب ويُضعف حجته ومنطقه.

لايلتفت المؤلف في الكثير من قصصه لتحديد الحيلة التي من المفترض أن تكون هي نفسها مادة القصة ومحورها، وهو يتّكل في ذلك على ذكاء القارئ وفطنته.

الأبواب الخمسة الأخيرة هي أجمل ما في الكتاب، وبالفعل يجد فيها القارئ تسليةً ومتعة لقصرها وطرافتها، ولأنّ القصص والأبواب منفصلة غير متصلة تصير مؤونة الكتاب خفيفةً، والكتابُ مناسباً ليكون هو كتاب الفرصة والإستراحة بين الكتب والأعمال الضخمة.

صدر الكتاب في طبعة خامسة عام 2018 عن دار الساقي ، ويقع في 232 صفحة من القطع الكبير، وهو كتاب شديد الإمتاع لكنه لايرقى إلى مستوى نظرائه من أمثال (الأغاني، والإمتاع والمؤانسة).

  • السياسة والحيلة عند العرب
  • دار الساقي