كريسماس في مكة

مراجعة رواية “كريسماس في مكة” للكاتب “أحمد خيري العمري”

جرت العادة أن يُتّهم الكاتب الذي يلعب على الوتر الطائفي في أعماله الأدبية بنيّةٍ غير محمودة الأثر، هدفها تحقيق شهرةٍ سريعة.
لكنّ الكاتب(محمد خيري العمري) بريءٌ من هذه التهمة، فشهرته واسعة ورواياته تتلقى قبولاً عند شرائح مختلفة من القرّاء، وروايته (كريسماس في مكة) ربّما فاقت شهرتها كل أعماله السابقة بما في ذلك روايته (شيفرة بلال) التي تتناقلها الصفحات بالمديح والثناء الكثير، وعن (كريسماس في مكة) أضع لكم هذه النقاط:

يُشتهر الكاتب باعتماده جوّاً اسلاميّاً في كل رواياته، ويمكن تصنيفه كداعية في ثوب أديب، وهذه ميزة تجعل رواياته كلها موجّهة للعائلة ولمختلف الأعمار، وغالباً ما تحتوي أعماله (على الأقل التي قرأتُها) رسالةً مبطّنة ومغزىً يُستفاد حول قضايا تمسّ النّاس ولكن دون أن يقدّم لها حلولاً، بل يكتفي بتعرية السلبيّة وكشف اللثام حول أسبابها وتداعياتها على الفرد والمجتمع.

تحكي الرواية قصة زوجين عراقيين هما (عمر) السنّي، وزوجته (ميّادة) الشيعية، وابنتهما (مريم).
خلال فترة الحرب الطاحنة في العراق قضى (عمر) نحبه شهيداً وترك زوجته وابنته التي لم يبلغ عمرها الأربع سنوات.
تتهم (ميّادة) حميها بأنّهم سبب وفاة زوجها (عمر) بسبب قلة تشجيعهم له على السفر، فتقطع كل أسباب التواصل معهم وتفرّ بابنتها إلى انكلترا حيث يعيش أخوها الطبيب (حيدر) المتعصّب لتشيّعه والمتزوج من (إيملي) وله منها ابنة وحيدة اسمها (سارة) والتي حملت سِفاحاً من عشيقها الأسود (لوك)، ممّا دفع أبوها (حيدر) ليزور طبيبةً نفسيةً لعلها تنتشله من أزمته النفسيّة المستفحلة جرّاء سماعه خبر حمل ابنته العاقّة.

تدرس (مريم) الهندسة المعمارية، ولأصولها الإسلاميّة يطلب منها مشرفوها إعداد بحثٍ حول تصوّرٍ جديدٍ لمبنى الحرم المكّي، فتعقد العزم مع أمّها (ميادة) لأداء العمرة لمشاهدة الحرم المكي عن قرب وإعداد البحث، ولأنها دون الثامنة عشر تحتاج لمحرم للحصول على تأشيرة السفر، وهكذا يوافق خالها (حيدر) للذهاب معهم لعل روحانيّة الحرم ورؤية الكعبة تشفيه من مُصابه بدتنيس ابنته شرف العائلة الكريم.

تتصل (ميّادة) بأخ زوجها (سعد) في العراق وتطلب منه المجيء مع عمّها (المريض بألزهايمر) إلى مكة وذلك في نفس فترة سفرهم لعلهم يلتقون هناك وتتعرف ابنتها (مريم) على جدّها وعمّها، وتكون لها فرصة العودة إلى الأصل والجذور، فيوافق بسرورٍ بالغ كونه متعطش للقاء إبنة أخيه العزيز.

في مكة يلتمّ الشمل ويجتمع الفرقاء وتبدأ سلسلة المعاتبات وتصفية قضايا الماضي الأليم، ثمّ تبدأ مرحلة رفع الكلفة وعودة المياه إلى مجاريها وتنتهي الرواية ب (الصلح خير)، وعندها تتصافى القلوب وتزول الضغينة المُبيّتة سنيناً طويلة.

يشحن الكاتب روايته بقضايا طائفيّة كبيرة تحتمل كل واحدة منها أن تكون روايةً وحدها، فعدا عن الثنائية (سني/شيعي) تواجهنا ثنائيات عديدة مثل : (مسلم/مسيحي)، (أسود/أبيض)، (مؤمن/لاديني)، (مُحافظ/متحرر)، وهذا كله يجعل الرواية مكثّفة الموضوع والقضيّة، مع بساطة واضحة ومريحة في السرد والعرض.

يهدي الكاتب روايته إلى (ميادات) كثر يشبهن (ميادة) بطلة روايته، وهو حر لمن يهدي العمل، لكن مثل هذا الإهداء يوهم القارئ أن هذه (الميادة) هي وحدها بطلة العمل، والواقع أن بطل الرواية هو (عمر)، وهو شخص لا يقول حرفاً في العمل كوننا نتعرف عليه بعد موته، لكنّ متن العمل بمجمله يدور حوله ويطوف حول قضية موته وما تعلق بعد ذلك من أحداث.

أشدّ ما أعجبني في الرواية الجوّ العراقي الجميل فيها، ابتداءً ببعض التعابير والاصطلاحات، مروراً بالأمثال الشعبية، والعادات والقاليد المتوارثة، هذه إضافة رائعة يحرمنا منها معظم الكتّاب العراقيين الجدد.

يؤخذ على الكاتب إسرافه الشديد في ذكر الموت وضحايا الحروب والجثث المتعفنة، ويربط ذلك بين الحرب الدائرة في العراق مع تفاصيل محورية أيام هجوم التتار على بغداد وما خلفوه وراءهم من خرابٍ ودمارٍ وضحايا، لا يُنكر أنه إسقاطٌ هادفٌ ويفيد العمل لكنّه استغرق كثيراً من حجم الرواية وموضوعها الأصل.

صدرت الرواية عن دار عصير الكتب / مصر، في 333 صفحة من القطع المتوسط، وهي رواية غنيّة بموضوعها وتستأهل الاحترام والإشادة، ويستحق عليها (العمري) كل تقدير. عرض أقل

  • كريسماس في مكة
  • أحمد خيري العمري
  • عصير الكتب