حياة الكاتب السرية

مراجعة رواية “حياة الكاتب السرية” للروائي الفرنسي “غيوم ميسو”

إن القراءة لغيوم ميسو تقتضي منّا التنازل؛ التنازل عن الاقتباسات الجميلة، وعن أي حكمةٍ متوقعة قد نخرج منها مع خاتمة العمل، لكنه في الوقت نفسه ومع كل رواية جديدة تصدر له يُعلي من سقف توقعاتنا بخصوص الإثارة والتشويق.
في رواية (حياة الكاتب السرية) لاينبغي تجاهل وقوع أيّ شيء. ولايدفعنا الكاتب للتركيز فقط على ما حدث، بل للتفكير أيضاً بما يمكن أن يحدث، ورغم تداخل الوقائع وتنوّع الشخصيات لكنّني لم أجد مشقة في تجميع أفكاري وتسجيل النقاط الآتية:

تحكي الرواية قصة (رافاييل باتاي) وهو كاتبٌ مغمورٌ مات طموحه على عتبات دور النشر التي أبت طباعة روايته، فبحث عن عملٍ يوقف نزيف المال من جيبه الموشك على الإفلاس، فوُفّق بعملٍ في مكتبةٍ قديمة في جزيرة بومون الفرنسية. استطاع (رافاييل باتاي) بثّ روح الحياة في المكتبة المتهالكة، وكل سعادته أنه صار قريباً من مكان إقامة كاتبه المفضّل (ناثان فاولز) الذي يقيم في الجزيرة ذاتها منذ عشرين عاماً، معتزلاً العالم كله في ركنه البعيد الهادي.

انقدح في عقل (باتاي) فكرةً جميلة وهي زيارة كاتبه المفضّل وكسر عزلته، لكنّه فوجئ بالكاتب يستقبله برصاص (البومب آكشن) مهدداً بإزهاق روحه إن واصل الاقتراب من بيته، فآثر الشاب الهروب وهو مندهشٌ من محمل الجرأة عند هذا الكاتب المنكود أن يستقبل محبيه بالرصاص والبارود.

في الوقت ذاته تأتي الصحافية اسمها (ماتيلد مونّي) لتكسر عزلة الكاتب أيضاً، ويستقبلها بجلافته المعهودة، إلا أنّ جثة تاجرة مشروبات روحية اسمها (أبولين شابوي) يجدونها مسمّرة في الطرف الآخر من شاطى الجزيرة يعيد خلط الأوراق، وهنا يجد الكاتب نفسه متّهماً، وتطفو على الرواية ذكريات من حرب كوسوفو، ويتّضح لنا مع تقادم الأحداث قراباتٍ غير متوقعة تجعل من الرواية عملاً بوليسيّاً لايهدف فقط كشف المجرم قاتل (شابوي) بل تصفية حساباتٍ لجرائم أخرى متعلقة بها مضى عليها ردحاً من الزمن.

في الرواية حوالي خمس عشرة شخصية بلا نفع لكنّ الكاتب يرسمها لنا بتقنية (HD) وهي إحدى مهارات الكاتب التي يتفوّق بها على كثيرٍ من الكتّاب المعاصرين؛ حتى يظنّ القارئ أنّ كلّ شخصيةٍ من الرواية بطلٌ مستقل؛ لكنّنا نكتشف أنهم مجرد (ضيوف شرف) أراد الكاتب استغلالهم لزيادة تشويش القارئ بخصوص القاتل المُحتمل.

شخصياً أعتبر العنوان جميلاً ومخادعاً. لأنّ كلّ الظنّ أن الرواية ستقتحم الحياة السرية للكتّاب ونظام حياتهم من خلال حبكةٍ تتناول مناخاً أدبياً هذه المرة، لكنّه ورّط نفسه -كالعادة- في قصّةٍ بوليسيةٍ وجريمةٍ وسلسلة تحقيقاتٍ صارت مكرورةً في أعماله ولا جديد فيها.

في خاتمة الرواية يتبنّى الكاتب فكرة التناسخ فيدّعي أن روح (رافاييل باتاي) حلّت فيه عقب موته، وأنّه (غيوم ميسو) ذهب إلى جزيرة بومون، وزار بيت الكاتب (ناثان) واشتراه، ومن خلال هذه الزيارة استوحى موضوع روايته هذه. طبعاً لن تنطلي هذه المخادعة على القرّاء، لأنّ القارئ الذي يترصّد الهنّات سيتحقق من هذه المعلومات (غوغلياً) والرواية لاتزال بين يديه، أمّا الخبير المخضرم فيدرك أنّه أمام قصةٍ متخيلة طالما كتبت دار النشر على الغلاف كلمة (رواية).

أتساءل الآن: هل أفلس (غيّوم ميسو)؟.. لا أدري، ولكن بعد قراءة هذه الرواية وهي الأحدث له يمكنني القول أنها تشكل انحدراً في مسيرته الأدبية، ورغم تقييمي الضعيف لها إلا أنّ ذلك لا يلغي فكرة أنّ الكاتب أنشأ لنفسه تاريخاً وجمهوراً عريضاً يستقبل أعماله الجديدة بالترحيب والتهليل.

  • حياة الكاتب السرية
  • غيوم ميسو
  • نوفل هاشيت أنطوان