يامريم

مراجعة رواية “يامريم” للروائي “سنان أنطون”

ليس هيّناً على القارئ الذي عاش في الحرب أن يستمرئ المغالطة في الحكاية، (سنان أنطون) كتب روايةً عن الحرب في العراق؛ ولكن يبدو أنّ في عينيه عموشة جعلته يتغافل قصداً أو جهلاً عن حقائق واضحة يعرفها الجميع، أو أنّه خالط أعداء العراق حيث يقيم هناك في أميركا وأعارهم سمعه (وربما قلمه)، فجعل يصدّق الاتهام ويردّده كالببغاء الألثغ..

إذن، غريب أمر هذا الرجل الذي يُسمّي نفسه كاتباً؛ ثم يركل بقدميه أبسط قواعد اللياقة الأدبيّة، ولا تتحرّج لجنة جائزة البوكر (موسم 2013) من ترشيحها روايته معدومة القيمة (يامريم) لنيل الجائزة؛ هذه الجائزة التي من المُفترض أن تكون نزيهةً وتدعم الأدب الجميل لا الصفاقة الصريحة.

والواقع أنّني لا أتحرّج من هذه المقدمة طالما لم يستحِ الكاتب من دماء الشهداء العراقيين الذين قُتلوا بأيدٍ غريبة، ثم يأتي ليُجهز عليهم بمنشوره الطائفي الذي أسمته له دار الجمل ب (رواية).

ولكنّني-للإنصاف وإحقاق الحق- وجدتُ في هذا العمل شيئاً قليلاً يستحق القراءة، فآليت ضبط النفس وإيثار النزاهة الأدبية وأن أختزل المراجعة في النقاط التالية:

تحكي الرواية أحداث يومٍ واحد في حياة (يوسف ومها) اللذين تجادلا في قضيةٍ أثارتها نشرة الأخبار في صبيحة نهار، فتعكّر مزاجهما على إثر الخصام ومضى اليوم على هذا الحال، ثم اجتمعا في آخر النهار في كنيسة النجاة في بغداد، وهناك تقتحم عليهم صلواتهم عُصبةٌ ظالمة يوزعون الموت برشاشاتهم ورمّاناتهم على جمهور المصلّين، فيقضي (يوسف) صريعاً على مذبح الكنيسة، وتسلم (مها) التي فاتها أن تعتذر ليوسف فتأسى لذلك وتنتهي الرواية.

يمثّل (يوسف) ماضي العراق العريق، وتمثّل (مها) حاضره المعتم، وهي ابنة جيلٍ عاش صباه في أوج الحرب وزمن الهرج، والقتل المأجور، فشبّت (بقلبٍ أسود) حاقدةً على كلّ شيءٍ في العراق وتنتهز فرصةً للهجرة والرحيل عنه.

يُكثر الكاتب من شخصياته غير المؤثرة، ويصير ذكرها عِبئاً عليه، فهي عدا عن كونها غير فاعلة، لم تُفد العمل في شيء إلا في الإطالة والحشو. أما الأحداث فتمرّ مرور الذكريات الخالية من الحبكة والعقدة ما يزيد العمل خللاً وبُعداً عن فن الرواية.

يؤخذ على الكاتب تحامله المقصود على الإسلام، والمسلمين ككل، والسوريين منهم خاصةً، ويرى أن طوائف العراق فسيفساء جميلة لا يشوّهها إلا الإسلام، ويحمّلهم كوارث العراق وحروبه، ويصفهم بأسوأ الصفات وأشنعها، لكنّه يحرص أن يغسل لسانه الزفر عندما يذكر ديناً أو طائفةً أخرى. أليس من الأجدر به أن يتذكر ما فعله أبناء جلدته في مدن العراق وأريافها؟ وما أقاصيص سجن أبو غريب عنه ببعيد، لكن يبدو أن حبر قلمه يجف جزعاً من ذكر أرباب نعمته الأمريكان!!.

لغة الكاتب سلسة غير متكلّفة، لكنّه يُكثر من المحكية العراقية غير المطروقة في الأدب، ما يدفع القارئ للبطء والتهجّي وتوقّع المعنى من الجملة، لعلها سلبية عند القارئ العربي في العموم، لكنّني أتقبّل إدخال اللهجة المحكية في حوارات الشخصيات طالما أنه لايزيد عن كونه حواراً.

سيستظرف القارئ أيضاً الحديث عن النخل وزراعته، وتعلّق البطل به. أرى أن شجرة النخيل تمثّل العراق بكل أطيافه، وهي شجرة العراق منذ الأزل، وتمثّل وحدته وأصالته، هذا الجزء من الرواية حميميٌّ جداً يُشكر الكاتب عليه، كما يُشكر لاختياره الموفّق لاسم عمله (يامريم) فهو يجمع أيضاً العراقيين على كآفة مشاربهم، وهو ما يدعوني لأمنح هذه (الرواية/مجازاً) نجمةً واحدةً مُستحقة من أصل خمسة.

صدرت “يامريم” عن منشورات الجمل ، وتقع في 155 صفحة من القطع المتوسط، وهي -في جوّها العام- رواية رديئة، أدعو كاتبها للمزيد من المطالعة والتعلّم حتى لايبقى تصنيفه في الأدب.. غلام.

  • يامريم
  • سنان أنطون
  • منشورات الجمل