شرق الجامع الأموي

مراجعة كتاب “شرق الجامع الأموي” للكاتب الباحث ” سامي مروان مبيّض”

لاتزال التنظيمات السريّة وعلى رأسها (الماسونية) مواضيعاً دسمة للكتابة فيها، ولاتزال تهمة الانتساب لهذه التنظيمات جاهزةً ليُوسم بها كلّ مشكوكٍ في وطنيته، وإنّ المؤمنين بنظرية المؤامرة لايكفّون عن تجيير كل مصائب العالم لجعلها نِتاجاً لأعمالٍ إجراميةٍ يقوم بها أعضاء وأرباب هذه التنظيمات السرية للسيطرة على العالم والتّحكّم بمقدرات شعوب الأرض، متّكلين بذلك على نشر الإباحيّة والجهل والتطرف والأوبئة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا..

ولم تكن الدول العربية في منأى عن أجندة هذه التنظيمات، فأنشؤوا محافل كثيرة واستقطبوا إليها رؤوس الأنظمة، ولوردات المال، وأباطرة الثروات، وعزّزوا إمكانياتهم بتسهيلاتٍ مجزية لتحقيق أهدافهم ثم لنشرها وتمكينها في المجتمع.

يسلّط هذا الكتاب الضوء على الماسونيّة السورية منذ النشوء حتى إغلاق المحفل الأخير، مروراً بدورها، ورجالاتها، وأبرز انجازاتها في المجتمع السوري، وقد قرأته بكثيرٍ من التمهّل وسعيت للرجوع لبعض المراجع التي استعان بها الكاتب للتأكد من صحة بعض المعلومات والتوسّع بها، وكتبت حوله الملاحظات التالية:اذا اختلف المؤرخون حول الماسونية ودورها في سورية، فإنّه لا يوجد خلاف على قاماتٍ وطنيّة مثل: فارس الخوري، ولطفي الحفار، وجميل مردم بك، ورضا سعيد، وفخري البارودي، وغيرهم كثير جداً، وعلى أدوارهم منفردين ومجتمعين في تاريخ سورية الحديث، ولايكاد يستطيع أحد أن يشكك في وطنية هؤلاء وأنّهم -في المقابل- كانوا جميعاً من الماسون. لكن السؤال الأبرز (والذي طرحه الكاتب دون أن يجيب عليه) هل نجحوا في حياتهم لأنّهم ماسونيون، أو لأنّ الماسونية استقطبتهم لأنّهم أعلامٌ في مجالاتهم؟!

ظهر أول محفل ماسوني في دمشق في نيسان عام 1868م وبقيت الماسونيّة ناشطة حتى صيف عام 1965، أي ما يقارب من مئة عام، وقد دخل خلال هذه الفترة في (عشيرة البنّائين الأحرار)، عددٌ كبيرٌ من نخبة رجال السياسة والعلم. ثمّ بدات تتراجع في المجتمع السوري بعد احتلال فلسطين عام 1948م ، حيث وجّهت إليها اتهامات بالجاسوسية والتآمر والسعي لفرض حكمها على المشرق العربي.

يتناول الكتاب (ماسون دمشق) بالبحث والتقصّي، ويعدّد المحافل الدمشقية وأماكنها، وأبرز ساداتها، ويعلق على دورهم في ثلاثينيات القرن الماضي وهو العصر الذهبي للماسونية الدمشقية.

يفرد الكاتب فصلاً خاصاً للحديث عن دور الماسونية والانقلابات المتكررة التي شهدها المسرح السياسي السوري خلال الثلثين الأولين من القرن الماضي، ويدعم الكاتب بحثه بالعديد من الصور والوثائق التي أمكنه الوصول إليها خلال إعداد الكتاب. ويمكن الخلوص إلى فكرة ان للماسونية الدمشقية نصيب الأسد في التخطيط لهذه الانقلابات وتنفيذها.

كما يُفرد الكاتب فصلاً آخر عن نوادي (روتاري دمشق)، التي أدخلها (كلار مارتين)، مدير شركة شل للنفط والتي فتحت باب الانتساب إليها لكل (من يرغب في نشر الإنسانية حول العالم)، أمّا أهدافها على الورق فلا تذهب بعيداً عن أهداف الماسونية وأفكارها وتنظيمها الداخلي.

تأسس (نادي روتاري دمشق) يوم 6 أيلول عام 1938م ويُعتبر الأول في العالم الذي يقرّ باللغة العربية لغةً رسميةً له وانضم إليه على الفور كآفة الماسونيين الدمشقيين وانتخبوا الطبيب انسطاس شاهين رئيساً له، يعاونه السياسي المحنّك نعيم انطاكي، ورئيس نقابة المحامين سامي الميداني الذي صار فوراً رئيساً للجامعة السورية !!!

بعد خمس سنوات افتتح أول فرع لنادي الروتاري في حلب، وتبعه فرع في اللاذقية ثم حمص، وتم اصدار طوابع بريدية تكريماً لنادي الروتاري عام 1955 بمناسبة اليوبيل الذهبي على تأسيسه عالمياً، وذلك بمساعٍ حثيثة من مدير إدارة البرق والبريد ابراهيم كنعان (الماسوني أيضاً).

أغلقت كافة المحافل والمكاتب والمقار بمرسومٍ واحد أصدره الرئيس الأسبق محمد أمين الحافظ وذلك في شهر آب عام 1965م، ولكنّهم لم يحلّوا نواديهم نهائياً حتى الشهر الأول من عام 1969م ، وعمدوا إلى إتلاف أوراقهم قبل مصادرتها.

شخصياً لا يمكنني التأكد من كل المعلومات الواردة في الكتاب وهذا ليس دوري الآن، ولكنّ الكاتب استعان بمراجع هامة سُمِحَ له بالاطلاع عليها، وهذا يعني أن ثمة مراجَع حُجِبت عنه، وهذا يكفي لنتعبر أن المعلومة ناقصة، فالناظر المتفحّص في قائمة المراجع العربية والأجنبية التي أدرجها الكاتب في دبر كتابه يعرف أنّه أراد (أو أريد له) أن يقدّم معلومةً مجتزأة، يتعلق ذلك تحديداً بدور الماسونية في الانقلابات وفي إدراج أسماءٍ والتكتّم عن أخرى، وإن كان ذلك يشوّه الكتاب لكنّنا لا نسّطح تعب الباحث أو ننتقص منه.

يبقى السؤال الأخير والأهم : هل الماسونية لاتزال ناشطة في سورية في الوقت الحاضر، وإن كان بشكلٍ شديد السريّة؟ أترك لكم التفكير في الإجابة على أن تأخذوا في الحسبان المعطيات السياسية والإجتماعية في البلد.

صدر الكتاب عام2017 عن دار نجيب الريّس / بيروت، ويقع في 270 صفحة من القطع المتوسط، وهو كتاب توثيقي نادر في مادته، وملحٌّ لكل من يهتم بالبحث العلمي والتاريخي، وتوثيق تاريخ المدينة ورجالها.

  • شرق الجامع الأموي
  • سامي مروان مبيّض
  • دار نجيب الرّيّس