علاج شوبنهاور

مراجعة رواية “علاج شوبنهاور” للكاتب “إرفين يالوم”

يقدّم المعالج والخبير النفسي الأميركي المخضرم ( إرفين د. يالوم) أدباً لا يُخرجه من ميدانه، ولا يُبعده عن صولاته وجولاته في ميدان علم النفس الذي سبق أن نشر فيه أبحاثاً وعلوماً كثيرةً جعلته إماماً في هذا المجال ومرجعاً موثوقاً لا يُردّ قوله ولا يُخالَف رأيه، فتصدّر بذلك قائمة الروائيين الذين يعتمدون على (الحبكة النفسية) وسيكولوجية الأفراد وفروع هذا الفن وتطبيقاته، فأصدر الرجل رواياته(عقدة سبينوزا)، و(عندما بكى نيتشه)، وروايته الثالثة (علاج شوبنهاور) التي نتناولها اليوم بالعرض والتحليل:

تعتمد الرواية بشكلٍ رئيسي على الحوار الدائر بين المعالج النفسي (جوليوس) ومرضاه الذين يواظبون على حضور جلسات علاجٍ جماعيٍّ لإدارة وتحقيق علاجٍ سلوكي ومعرفي جمعي، واقع الحال أنّ معظم البلدان العربية تفتقر إلى مثل هذا النوع من العلاج رغم بدء العمل به منذ أكثر من سبعين عاماً وتحقيق الفائدة منه لملايين المرضى النفسيين المُصابين بعلل القلوب وفاقدي راحة الروح.

إذن وبعد فحصٍ سريريٍّ دقيق لتصبّغٍ جلديٍّ مُريب في بشرة جلده، أدرك المعالج النفسي الشهير (جوليوس) أنّ أيامه باتت معدودة، وأنّ سرطان الجلد المستفحل في جسمه سيجعل من موته وشيكاً، فقرّر أن يتصل بمرضاه القدامى ليطمئنّ أن أحوالهم لاتزال بخير، وأنّ العلاج النفسي الذي قدّمه لهم كان ذو فائدةٍ وأثرٍ إيجابيٍّ في حياتهم.

كان المريض (فيليب) المهووس بالجنس والمصاب بالشبق العارم أوّل شخصٍ يتصل به (جوليوس)، وفاجأه مريضه هذا أنّه لم يستفد شيئاً من العلاج، وأنّ كل المال الذي دفعه لطبيبه النفسي (جوليوس) كان بلا طائل.. وإنّه لم يستفد سوى من قراءة كتب الفيلسوف (شوبنهاور) والإستفادة من تجربته وسيرة حياته، وهنا قرر الإثنان عقد صفقة؛ تقتضي هذه الصفقة أن يحضر (فيليب) جلسات العلاج الجماعي التي يديرها (جوليوس) وأن يخبره سرّ علاج شوبنهاور، مقابل أن يحقق (جوليوس) لفيليب أمنيته بأن يُشرف على رسالته ليصير معالجاً نفسيّاً.

بدأ (فيليب) حضور جلسات العلاج الجماعي، وهنا يتعرف على المرضى (العقلاء) السبعة المُشاركين معه في هذه الجلسات وهم: (بوني) المُصابة بعقدة النقص نتيجة سمنتها المفرطة وقلة اهتمام الشباب بها، و(توني) الرياضي الممشوق والذي جعل من مهنة النجارة عملاً وفنّاً، والمحامية الناجحة (ريبيكا) المغرورة بجمالها وبديع طلعتها، و(جيل) المدير المالي الذي يعاني من سوء أخلاق زوجته وعلاقتها السيئة مع أبيها، وطبيب الاطفال (ستيوارت) العاقل المتفهّم مقارنةً بالباقين.

الحوار الدائر بين أعضاء المجموعة مُقنع ومشوّق، لكنّه يزداد تشويقاً عندما تتعقد الجلسات وتشتعل فيها حدّة النقاش بعد أن تصل (بام) من رحلتها الاستشفائية في الهند وتُفاجأ بوجود (فيليب) الذي استغلها جنسياً خلال سنوات عمرهما الماضية.

يستعين الكاتب بأسلوب الالتفات ليكسر رتابة الرواية، فيُقحم بين فصول الرواية حياة الفيلسوف (آرثر شوبنهاور) منذ قبيل ولادته وحتى موته مروراً بعلاقته بأسرته، ومناوشاته الفلسفيّة مع فلاسفة زمانه ومفكريه، الجميل هنا أنّ الكاتب يقدّم هذه الشروحات والقضايا الفكرية بشكلٍ مفهومٍ ومبسّط يستطيع القارئ غير المتعمّق من الوصول لمعناها وتدبّره.

قد تخيّب الرواية ظنّ القرّاء الذين ينتظرون حبكةً مُحكمة، فالرواية معتمدة بشكل كلي على النقاش الذي يسبر أغوار النفس ويرمّم جراح الروح، وبالتالي تخلو من الأحداث المفصلية التي تقلب مسار الرواية أو تصدم القارئ بموقفٍ أو حدثٍ غير متوقع.

عنوان الرواية مُشكل ومتناقض وهذا لا يعرفه إلا من يقرأ الرواية أو كان مضّطلعاً على أعمال الفيلسوف (آرثر شوبنهاور)، فهذا الرجل سوداويّ النزعة ولاتجده إلا مكروباً مغتمّاً، غير اجتماعي ولا يتعاطى مع الآخرين لغشاوةٍ تسدّ عليه منافذ القلب والنّفس، فكيف لمثل هذا الشخص يحمل مثل هذا الفكر والعقل أن يقدّم علاجاً لغيره، هذا ما استشكل على بطل الرواية (جوليوس)، وجعلنا الكاتب نتحفّز لمعرفته.

أودّ أن أسجّل إعجابي بالترجمة الإحترافية التي قدّمها (خالد الجبيلي)، فوجود اسمه على غلاف أي عملٍ أدبيٍّ يوحي للقارئ كأنّما به سيقرأ هذا الكتاب بلغته التي كُتب بها وذلك لوفاء المترجم للنّص الأصل وسعة قاموسه العربي.

صدرت الرواية عن منشورات الجمل ، وتقع في 430 صفحة من القطع المتوسط، وهي رواية جيدة وفيها الكثير من الحكم والمعاني التي تستحق القراءة والاقتباس.

  • علاج شوبنهاور
  • إرفين يالوم
  • منشورات الجمل