مراجعة كتاب “فن اللامبالاة” للكاتب “مارك مانسون”
لايزال هذا الكتاب أوسع الكتب انتشاراً بين القرّاء العرب والأجانب ، وقد ازدادت شهرته بعد أن نشر اللاعب الشهير (محمد صلاح) صورةً له وهو يقرأ الكتاب في جلسة استرخاءٍ هادئة !! فحفّز جمهوره لقراءة الكتاب خاصةً أنّ للعنوان ميزةً لطيفة، وهي أنّه يخاطب اللاوعي عن المتلقي وينكز فيه حبّه للتفلّت من كل المسؤوليات والعيش بلامبالاة…
واقع الحال أنّني لم أبالِ بقراءة (فن اللامبالاة) لأنّني -ببساطة- أتقن هذا الفن وأمهر به للغاية، إذ يندر أن أكترث لمشاكل الحياة وهمومها على كثرتها، وكنت وسأبقى أعاملها معاملة الذبابة الصغيرة التي إن وقعت أمامي أهشّ عليها بطرف كمّي وأكمل ما يُسعدني فعله وإنجازه، لكن وبعد تصويتٍ سريع بين كتبٍ أربعة؛ اختارت جمهرة القرّاء (فن اللامبالاة) ليكون ضيف الرحلة القادمة، وهذا ماكان:
يقدّم الكتاب فكرةً مغايرة؛ بل ومعاكسة لقانون الجذب الشهير المعمول به في كلّ تدريبات تحفيز النّفس وشحذ الهمّة، إذ يقتضي قانون الجذب على أن يفكّر المرء طيلة الوقت بما يشتهي أن يصير إليه حاله، ويدوّن ذلك في كرّاسةٍ خاصة عشرات المرات صباح مساء، وأن يتصرّف في حياته كما لو أنّه حقق أمانيه كلها. يقول الخبراء أنّ مثل هذا التصرّف سيجذب الطاقة الإيجابية لفاعلها وسيهيّء له أسباب النجاح وعمّا قريب سينال مراده فيما كان يسعى إليه باستخدام تقنية قانون الجذب.
يضحك (مارك مانسون) من هذه الفكرة ويعتبرها مضيعة للوقت والعمر ويطرح أسئلة لمنظّري قانون الجذب من مثل:
ماذا لو لم تأتِ هذه الطاقة بالمرّة؟
هل من الحكمة أن يقضي المرء زهرة شبابه يعمل ما لايحبّه لأجل تحقيق أمنية قد لا تتحقّق؟
هل يأتِ قانون الجذب بنتائج محقّقة؟ وهل من المنطق تجريب قانونٍ قد لا ينفع معنا ؟
أليس من النفاق الاجتماعي والكذب على النّفس أن نمارس حياتنا وكأنّنا حقّقنا أشياء لم تتحقق بالفعل؟؟
بعد هذه المجابهة الطويلة مع الأسئلة ونقد قانون الجذب يقدّم (مانسون) القانون البديل.. قانون اللامبالاة والذي يمكنني اختزاله بالفقرات التالية:
كن طموحاً، ولكن لاتبالي بالنتيجة ولا تنتظرها، فقط افعل ما تحبّ فعله وما يسعدك تمضية الوقت به.
لا تكترث بالنتيجة قدر اكتراثك بأن يمضي عمرك بإنجاز أشياء تحبّها، لأن العمر قصير وقد ينتهي قبل أن تحقق هدفك.
الحياة مليئة بالآلام، ولكلٍّ منا ألمه الخاص، اختر لنفسك ألماً تستطيع التعايش معه وأن تروّض نفسك عليه.
لشرح قانون (اللامبالاة) والفرق بينه وبين قانون الجذب سأبسّط الفارق بمثالين جميلين:إذا كنت تطمح للوصول لقمة جبلٍ عالية:
قانون الجذب: يُطالبك بأن تبدأ الصعود، أن تثابر، وتمضي قدماً وأن تفكّر طيلة الوقت بالقمة وجمالها ونجاحك في الوصول إليها.
قانون اللامبالاة: يُطالبك أن تستمتع بالصعود، أن تكون هاوياً ومحبّاً لتسلق الجبال وأن لا تعبأ بالقمة مطلقاً، فإن لم تكن من عشاق تسلق الجبال فاترك الامر حالاً وابحث عن شيءٍ آخر تحبّه.
إذا كنتِ تطمحين لتكوني موسيقيّةً أو مغنّيةً شهيرةً:
قانون الجذب: ينصحك بأن تعاملي نفسك على أنّك فيروز الصباح، وأم كلثوم المساء، وأسمهان الأوقات كلها، فكري بذلك دائماً وابذلي جهوداً جبارة في تعلم الموسيقى ودروس الغناء مهما أضناكِ ذلك وأتعبك.
قانون اللامبالاة: يخبرك أنّك أنتِ أنتِ، حققي ذاتك، وإن لم تستمتعي بحمل آلتك الموسيقية كل يوم باتجاه معهد الموسيقى فانسي الأمر برمّته، لا تفكري بالمسارح والحفلات وصراخ الجمهور وبكائهم عندما يتصورون (السيلفي) معك، فكري فقط بمتعة المشي إلى حيث أستاذ الموسيقى واستمتعي بالتعلم والممارسة.
يحمل الكتاب أفكاراً ونقاشاتٍ كثيرة أخرى، كلها تدور حول الفكرة السابقة وتدعمها، ويمكن القول أنّ هذا الكتاب خلط الأوراق كلها، ولا شكّ أنّ البعض من داعمي فكرة السرّ (قانون الجذب) سيعدّلون شيئاً من أفكارهم، وأجزم أنّ مطابع دور النّشر العالمية تستعد لإطلاق كُتباً جديدةً تدعم هذا الكتاب أو توفّق بين كلا القانونين.
صدر الكتاب عن منشورات الرمل ، ويقع في 270 صفحة من القطع المتوسط، ولا أنكر انّني أميل كثيراً لفكرة هذا الكتاب وأجدها أنضج فكرةً حول النجاح وتحقيق الذات.
- فن اللامبالاة
- مارك مانسون
- منشورات الرمل