مراجعة رواية “زرياب” للروائي السعودي “مقبول العلوي”
جذبني العنوان هذه المرة، (زرياب) هذا الموسيقي الأعجوبة الذي يثير بصوته المليح وبنقراته على العود الشجن والسرور معاً، اعتقدّتُ أنّني بهذه الرواية سأترك قلبي ذاهلاً عن الدنيا وأستمع من خلال سطورها أنغاماً يكون بها جلاء الروح والنّفس، وكأنّ (زرياب) يلتزم عوده أمامنا على المسرح ويحكي لنا بأنغامه قصة حياته وعذاباته، فأخذتُ مقعدي بين السامعين، وقرأت الرواية وسجّلتُ حولها المقامات التالية:
تتناول الرواية سيرة (زرياب) الذي نشأ في كنف سيّده ومعلمه (اسحق الموصلي) في بغداد، والذي تتلمذ على يده أصول النغم والألحان وصنعة النّقر على الأوتار حتى احترفها، وما إن أطرب (زرياب) الخليفة (هارون الرشيد) في جلسةٍ وادعة حتى انقلب وليّ نعمته (اسحق الموصلي) عليه، وملأ الحسد قلبه، فأمره مغادرة المدينة قبل أن يكون له معه شأن.
يسترسل الكاتب السعودي (مقبول العلوي) في تصاريف طواف (زرياب) بين البلدان، وهنا نشعر وكأنّ الرواية خرجت عن مسارها وانقلبت لوصف البلدان والأمصار والقصور وبدائع المفاجآت خلال السفر، حتى يكاد القارئ ينسى مهنة بطل العمل وفنّه، ويُقبل (مقبول العلوي) على قصص المكائد السياسية والمخاتلات والحيل بين رجال السلطة وآثارها على الشعب المنهك وعلى (زرياب) وأسرته المطرودين من البلدان والمُطاردين في الأصقاع.
يصل (زرياب) أخيراً إلى (قرطبة) حاضرة الأندلس وهناك يطيب له العيش والمُقام، ويحظى باهتمام الأمراء والخلفاء وذوي الحظوة، فيحفظون له مكانته، ويقدّرون علمه وموهبته، فيصير متبوعاً بطالبي بدائع الألحان من التلامذة والمريدين، حتى تدركه الشيخوخة فيتخطّفه الموت وهو بين لفيفٍ من محبّيه.
أكثر ما أعجبني في الرواية سلاستها وبُعدها عن التنطّع الأدبي، إذ لم يعتنق الروائي في عمله هذا تقنياتٍ مواربة، أو أساليبَ مبهمة تستعصي على القارئ، فهي تبدأ من طفولة البطل مروراً بشبابه ثم ما عاناه من طوارق الأحداث وهروبه حتى إقامته الأخيرة، يزيد العمل سهولةً وبساطةً انتماؤها إلى فنّ المذكرات حيث يروي لنا الأحداث (زرياب) نفسه. شخصيّات الرواية تتراوح بين الحقيقي والمتخيّل ورغم أنّ (زرياب) هو بطل العمل المطلق، لكنّ الكاتب كان أكثر مهارةً في تقديم شخصياتٍ أخرى مثل (اسحق الموصلي).
اعتمد الكاتب في رسم خريطة هروب (زرياب) من بغداد إلى الأندلس إلى (رحلة ابن جبير)، ليس في مسار الرحلة فحسب بل استلهم منها أيضاً الكثير من المواقف الثانوية الطارئة على الأحداث، وأنّي إذ لم يُتح لي الاطلاع على كتاب (رحلة ابن جبير)، أقول أنّ هذا ما أشار إليه أحد الباحثين وهو (عبد الواحد الأنصاري)، فإن صدق فيما قال فليس من المقبول ما فعله (مقبول)، إذ لم يكن حريٌ بالكاتب أن يدع (ابن جبير) يملي عليه فصول حكايته، هذا الاستسهال غير المحسوب أوقع الرواية في نقطةٍ حرجة، وربّما أساء لسمعة الكاتب ونزاهته الأدبيّة.
يُعرف (زرياب) بأنّه أدخل أنماطاً موسيقيّةً مُستجدّة على التخت الشرقي بإدخاله وتراً خامساً لعوده، ومعروفٌ أنه لغويٌّ وشاعرٌ مطبوع، لكنّ الكاتب غفل عن هذه البديهيات فلم يُشر إليها إلا لمماً، فجاء النّص شحيحاً بحديث الأصوات الشادية والرخيمة، وعذوبة الإيقاعات الصافية، ولم يُشجي القارئ بجماليات الفلسفة الموسيقية ولا ضروب المقامات ولا ما يفعله نقيع الألحان في الآذان.
وصف الكاتب شعب الاندلس بالبدائي، يلبسون دون تقديرٍ لتقلّبات الفصول والأيام، ويأكلون بكفوفهم كيفما اتفق، ولايعرفون الحمّام ولا الاغتسال، وأن وفود (زرياب) إليهم بدّل حالهم فعلّمهم فنون المآكل والملابس، وآداب الأحاديث والمجالس، وتهذيب اللحى وقص الأظافر، هذه مقاربة غير منطقية لحال الأندلس، وإن كان كذلك فليس لشخصٍ واحد مثل (زرياب) أن يغيّر أمةً بحالها، اللهمّ إلا الأنبياء و (زرياب) ليس منهم، فماذا يريد الكاتب من هذا التوصيف!!بالمجمل أراها رواية جميلة غير متكلّفة، ولكن لايُعتمد عليها من الناحية التوثيقية لحياة (زرياب) مثلها كسائر الروايات التاريخية، يشمل ذلك تسلسل الأحداث والتواريخ والشخصيات.
صدرت الرواية عام 2014 عن دار الساقي ، وقد قرأتها بنسخة pdf في 228 صفحة، ومن هنّات دار الساقي المضحكة أن وضع مصمّم الغلاف غيتاراً عوضاً عن آلة العود التي هي قضيّة الرواية وأساسها.
- زرياب
- مقبول العلوي
- دار الساقي