عرس الزين

مراجعة رواية “عرس الزين” للروائي “الطيب صالح”

للروائي السوداني (الطيّب صالح) أسلوبٌ متفرّدٌ لا نظير له، والقارئ الماهر يمكنه تمييز أسلوب (الطيّب صالح) من بين عشرات النصوص الأدبية فيما لو وُضعت أمامه مُغفلة الاسم.
عرس الزين (نوفيلا/رواية قصيرة) أعتبرها من أعجب ما كتب (الطيّب صالح)، وسبب ذلك سأبيّنه في نهاية هذه المراجعة السريعة.

بطل القصة رجلٌ يُدعى (الزين) وهو شاب محدود التفكير له من البلاهة نصيب، وهو موفور العافية قوي البدن ومحبوبٌ بين أبناء قريته، و(الزين) هذا لايكاد يخرج من قصة حب حتى يباشر حبّاً جديداً وكله من طرفٍ واحدٍ هو طرفه فقط، فلم تعرف القرية فتاةً أحبت (الزين) أو على الأقل بادلته مشاعر الإعجاب والمودّة، وأهالي ضيعته يعرفون منه خفة العقل وكثرة الضحك فيُجارونه في أقواله وتصرّفاته شفقةً مرّةً وتسليةً مرّاتٍ أخرى..

أحبّ (الزين) أوّل مرّة (عزّة) ابنة العمدة الذي استغل هذه المحبّة فسخّر (الزين) بأعمالٍ شاقة في حقله وبستانه يعجز عنها الدّواب، وبعد حين خُطبت (عزّة) لابن خالها، فلم يثُر (الزين) ولم يقل شيئاً غير أنّه تحوّل إلى حبٍّ جديد.

ثم عاود الزين فأحبّ فتاةً من البدو يُقيم أهلها على شطآن النيل وراعه جمالها وحلاوة حديثها، فأُغرم بها كلّ الغرام وهي تستمرئُ هبله وحبّه العاصف فتسلت به وضحكت منه حتى جاءها ابن القاضي فتزوّجها.

قصص الحب هذه التي عاشها (الزين) جعلت منه مرسالاً للحبّ، فحديثه عن جمال الحبيبة وأخلاقها صيّرته سمساراً أو دلالاً عليها، وكلامه المستفيض عنها جعله كساعي البريد إلى شبّان القرية الذين ما يلبث أحدهم أن تمتدّ يده لخطبتها، وهكذا يذهب (الزين) إلى عرسهم مُسخّرينه لنقل الدلاء أو كسر الحطب مقابل طعامٍ قليلٍ يأكله آخر نهاره، ثم يرقص لهم في العرس وضحكته تجلجل كأنها طبلٌ من نحاس لا يروعه فقدانه الفتاة التي أحبّ وكأنّه ملبّد المشاعر ولا يبدو عليه تغييرٌ ما وعبثه لايقلّ بحال.

التغيير الوحيد الذي طرأ في حياته هو أنّ أمّهات البنات صرن يخطبن ودّه ويستدرجنه إلى البيوت وتحث كل واحدةٍ منهنّ بناتها أن يخرجن أمامه، لأنّ من تقع في قلبه موقعاً سيكون ذلك بشير قرب زواجها من أحد شبّان القرية خلال شهرٍ أو شهرين.

ثم تحصل المفاجأة وهي أنّ (الزين) بعد أن أحبّ (نعمة) ابنة عمّه (الحج ابراهيم)، وافقت الفتاة ووافق أبوها، فنزل الخبر كالصاعقة على أهالي القرية وما من أحدٍ إلا ويرضى أن يدفع حرّ ماله مقابل أن يعرف السبب الذي لأجله وافق (الحج ابراهيم) وابنته على هذا الزواج غير المتكافئ.

في القصة حكايا كثيرة عن شخصياتٍ أخرى غير (الزين) تعيش في القرية كالناظر الذي أراد خطبة (نعمة) ابنة عم (الزين) فرفضه أبوها، وقصة الشيخ (الحنين) صاحب الكرامات والذي تربطه بالزين مودةٌ وصداقةٌ متينة. وحكاية (سيف الدين) الولد العاق لأهله والذي تشاجر مع (الزين) مُشاجرةً ساخنة كانت سبباً لتحوّلٍ مدهشٍ في حياة كلا الرجلين. ثم قصة (سعيد البوم) الذي شهد كل الناس عرسه لكنّه بقي حولاً كاملاً لا يقرب امراته ولا يمسّها حتى صار مبعث أحاديث الناس وهمهماتهم.

استخدم الكاتب المحكيّة السودانيّة في كلّ الحوار، والرواية على قصرها تعجّ بالشخصيات الفاعلة، والعجيب فيها – وهو الذي أشرته إليه في البداية- أنّ كل شخصيات الرواية محورية وهامة ويقدّمهم الكاتب كأبطالٍ لعمله الأدبي، فلم يذكر أحداً ثمّ يجعله (كومبارساً)، بل يُقحمه في الأحداث ويسلّط الضوء على حياته كأنّه وحده شخصيّة العمل الرئيسيّة، وهذا شيءٌ نادرٌ في الروايات عامّةً.

صدرت الرواية عن دار الجيل في 112 صفحة من القطع المتوسط، وهي رواية تجمع بين الفكاهة والبساطة ودقائق المشاعر الصادقة التي لا نجدها غالباً إلا عند الزين وأمثاله.

  • عرس الزين
  • الطيب صالح
  • دار الجيل