مراجعة مجموعة “تقاليد الفقراء” القصصية للأديب الأرمني “بوغوص سنابيان”
وقعت في يدي مجموعة قصصيّة للكاتب والقاص الأرمني بوغوص سنابيان، وقد كانت هذه مفاجأة جميلة بالنسبة لي، فكثيراً ما حاولت قراءة شيئاً من الأدب الأرمني دون نتيجة، ورغم أن حركة الترجمة بدأت تتعافى نسبيّاً في الوسط الثقافي العربي لكنّ الترجمة من وإلى الأرمنية لم تشهد تطوراً على الإطلاق، وربّما يتحمّل أرمن حلب وبيروت تحديداً مسؤولية هذا التقصير كون هاتين المدينتين تضمان أكبر تجمّعٍ أرمنيٍ عربي.
للأرمن في مدينتي حلب حصّةٌ ومشاركةٌ واسعة في حركة المجتمع وإنجازها، في الطبّ والفنّ والصناعة والتجارة والأدب، قد لمعت بضعة أسماءٍ كالشاعر ديكران كابويان وغيره، لكنّ أعمال هؤلاء الأدباء بقيت غير رائجة خارج وسطها الأرمني ولم يستطع القارى العربي الوقوف على جماليّة هذا الأدب ومعالمه ومواضيعه، وقد كلّمت مرةً أديباً ومترجماً عربيّاً هو عضو اتحاد الكتّاب العرب- جمعية الترجمة، عن الأدب الأرمني و حجم جهلنا به فأخبرني أن الأدب الأرمني في القرن العشرين يدور برمّته حول محورٍ واحد هو المجازر الفظيعة التي تعرّضوا لها بداية ذلك القرن، لكني اكتشفت من خلال الكتب والقصص القليلة جداً التي قرأتها (بعضها نشرته مجلة المعرفة في أعدادٍ قديمة) أن جهل ذلك الكاتب بالأدب الأرمني لم يكن بأقلّ من جهلي، ونظرته النمطيّة إلى ذلك الأدب ما هي إلا ضحيّة تقصيرٍ من مثقفي الأرمن ومبدعيه بالدرجة الأولى، وهيئات الترجمة الحكومية ودور النشر بالمرتبة الثانية، فما معنى أن تقوم بعض تلك الدور بإعداد طبعاتٍ جديدة لكتبٍ ورواياتٍ إنجليزيةٍ وفرنسيةٍ أو روسيةٍ شهيرة دون أن تتبنى أعمال بعض المترجمين الأرمن الشباب الذين يملكون نصوصاً قويّةً وجاهزةً للنشر !!
_مجموعة (تقاليد الفقراء) القصصيّة لبوغوص سنابيان جاءت بترجمة محترفة من الدكتورة نورا أريسيان، والتي أظنّ أنها وحدها في هذه الساحة، تمتلك المترجمة لغةً طيّعة وبسيطةً في تمكّنٍ واضح، ففي القصص السبع التي ضمّتها المجموعة نجد جُمَلاً قصيرةً لا تتكرّر فيها المفردات إلا عَرَضاً، وكأنّ المترجمة تحاول نقل النص بحيادٍ مع تقديم لغةٍ أنيقة تُضيف للنصّ لا تنقص منه.
_ تتنوّع حكايا المجموعة وأماكنها، فنتعرّف في قصة (موضوع الإنشاء الممزّق) على المعلم الذي طلب من تلاميذه كتابة موضوع إنشاءٍ عن آبائهم، ثمّ ما لبث أن تفتّحت أسرار تلك البيوت الفقيرة أمامه من خلال مواضيع الأطفال فخرجت علينا قصصاً من مآسٍ كابدها الفقراء في صمتٍ ورضى، ثم تطوف الحكايا فتصل إلى حلب وبيروت خلال الحرب الطاحنة وموقف الأرمن منها وعناءهم معها كسائر المجتمع اللبناني.
تخيّرت لنا الكاتبة قصصاً كتبها مؤلفها في سنواتٍ متباعدة، فبعضها كُتِب عام 1983 وبعضها عام 2007، وكلها قصصاً من مجموعتين نشرهما الكاتب بالإسم نفسه، يُشعرك الكاتب بما يوحيه لك نصّه أنّه لم يدخل أحياء الأرمن الفقيرة فحسب بل أقام معهم وتلمّس معاشهم وحكى أحزانهم، تلك الأحزان التي لايفطن لها المرء لِما يتبادلونه مع الآخرين من صَباحة الوجه والإبتسامات العريضة.
صَدرت المجموعة عن الهيئة العامة السوريّة للكتاب في 134 صفحة من القطع المتوسط، وقد أفسحت لها صدر المكتبة وتركت جنبها فارغاً رغبةً في أن يملأه عملٌ أرمنيٌّ جديد.
- تقاليد الفقراء
- بوغوص سنابيان
- الهيئة العامة السورية للكتاب