مراجعة رواية “عتبة الألم” للكاتب السوري “حسن سامي يوسف”
تُشتَرى الكتب لثلاث: لغلافها الحسن، أو اسم كاتبها، أو عنوانها المشوّق، أمّا أنا فقد اشتريتُ (عتبة الألم) لاسم كاتبها أولاً، ولتشجيع الكثير من الأصدقاء الناصحين الذين سبقوني إليها ثانياً، فاشتريتها بحماس وفي صفحتها الأولى أوقعني الكاتب بالفخ، قيّدني بها فكنت لا أميل لغيرها حتى أنهيتها مُعجباً بها ومغرم، وسجّلت حولها التفاصيل التالية:
نصب الكاتب في صفحات الرواية الأولى فخاً لقرّاءه وأيقن أنهم كلهم سيقعون به لا محالة، وصدق الكاتب في ظنّه إذ أنّ بداية الرواية شديدة التشويق وسلسة جدّاً، هي واضحة وبسيطة تجعل القارئ ينساب معها حتى النهاية.
لم يتوخّ الكاتب الحذر تجاه أي قضية تناولتها الرواية، بل جعل يكتب بتلقائيّة وعفوية بالغة الوضوح والشفافية وسمّى كلّ الأشياء بمسمياتها وصدق قرّاءه عندما أبدى رأيه في الحرب السورية، في القضية الفلسطينية، في كل القوى المتصارعة، لم يهمّه المحاباة والمجاملة في شيء.
لايمكن اعتبار هذا العمل رواية، والتوصيف الأقرب للإقناع هو ما ذكره الكاتب نفسه عندما صنّفها على أنّها (سرد عشوائي لما يشبه السيرة الذاتية)، فالسارد هو الكاتب نفسه (حسن سامي يوسف) الروائي والكاتب التلفزيوني المعروف، وخلال الرواية يحكي بعض الظروف والإرهاصات التي سبقت كتابته لأعماله التلفزيونية الشهيرة، كما عرّج على ذكر مواقف حاصلة خلال دراسته في روسيا، كل ذلك يجعلنا نتأكد من أنّنا أمام سيرة ذاتية لا نص روائي.
في الكتاب مضامين كثيرة يركز عليها الكاتب بشدّة: مخيم اليرموك، علاقة الفلسطيني/السوري بالأزمة السورية، التيه والشتات، الحب؛ وهنا يُسهب الكاتب في الحديث عن النسوة اللاتي ملأن حياته (رزان، ليلى، رشا، هناء) ويمضي أكثر من ثلثي العمل في حواراتٍ شيقة بينه وبينهنّ لدرجة أنّني ظننتُ أن تسمية الكتاب (نسوةٌ حول الراوي حسن) أقرب لواقع الكتاب.
يعترف الكاتب ببغضه لكلمة (وطن) ويرى أنّ كلمة (بيت) أصدق وأوفى للمعنى، كما يعترف ببغضه لكل القوى الفلسطينية كهيئة التحرير، وياسر عرفات، وربما لفتح وحماس، وأن ولائه المطلق سيبقى ل(حنظلة) شخصية (ناجي العلي) الكاريكاتورية التي تستدبر العالم طيلة الوقت.
رغم ضخامة الرواية لكنّها تُقرأ بسرعة وسهولة لاعتماد الكاتب على لغة مُباشرة، لكنّه(وهذا من سلبيات الرواية) جمع بين الفصحى والعاميّة بشكلٍ مبالغٍ فيه، بعض الجمل كان يكتبها بالفصحى ويكملها فجأةً بالعامية، أرى أنّه من الأجدر لو ترك الحوار عاميّاً والسرد فصيحاً.
إذن، غير العاميّة، تبنّى الكاتب سياسة لغوية هيّنة على القارئ كالجمل القصيرة جدّاً، والتقدّم بالأحداث اعتماداً على الأسئلة وأجوبتها بين الشخصيات، وقد أحصيتُ في هذا الكتاب أكثر من ألفي سؤال، كما أنّ دراسة الكاتب الأكاديمية (تخصّص كتابة السيناريو) جعلت من الرواية واضحة المعالم، فصار القارئ كمن يشاهد الأحداث بأمّ عينه لا بفكره ومخيّلته.
علمتُ متأخّراً أنّ هذه الرواية استحالت مسلسلاً عُرض على الشاشة الصغيرة بعنوان (الندم) ومن اخراج (الليث حجو)، ولم تتسنّ لي الفرجة عليه ولا أنوي ذلك قريباً أو بعيداً كوني لم أكن يوماً من محبي الدراما والأعمال المتلفزة، لكن بعضاً ممّن أثق برأيهم أشاروا عليّ بجودة العمل وأنّه يستحق أن نهدر لأجله ثلاثين ساعةً من عمرنا الفاني!!
صدرت الرواية عن دار الفرات للنشر، وتقع في 307 صفحات من القطع الكبير، وهي رواية جميلة ومؤثرة وأظنّها من أكثر الأعمال الأدبية شفافيةً وعفوية.
- عتبة الألم
- حسن سامي يوسف
- دار الفرات