جبل النهاية

مراجعة رواية “جبل النهاية” للروائي السوري فواز عزام

يومئ هذا النص الأدبي إلى أسئلةٍ وجودية عميقة، لايجيب عنها ولا يفسّرها، لكنها أسئلة كافية لتهزّ وعي القارئ ضمن سردٍ فلسفيٍّ جدير بالتأمّل والحوار.
لاتمس رواية “جبل النهاية”أزمة الإنسان في زمنٍ أو بلد معين، بل تطرح فكرة الخليقة والنشوء الأول ضمن قصّةٍ رمزيةٍ عميقة، ويتغيّا الكاتب مزج الأسطورة بقصة مفبركة مُقحماً الأجواء الغرائبية التي تلوّن النص بالعجائب دون أن تتمرّد على سلطة المعنى..

في الرواية يصعد الشاعر المجنون العاشق الجبّار ذو الألقاب العديدة؛ يصعد الجبل جارّاً خيباته المتعاقبة، ليأوِيَ إلى كهفٍ فيه، وهناك يمرّ في السماء طيفٌ كاشفٌ يترك أثره على الجبل يُنذر بانقراض الخليقة عن بكرة أبيها خلال أيامٍ سبعة.

يعود الكاتب فواز عزام إلى زمنٍ ولّى حيث يتطارح أخوان الغرام ليُنجبا الشاعر المجنون “آدم” وقبل أن يصعد الدم إلى رأس القارئ من فكرة (زنا المحارم/سفاح القربى) يخبرنا الكاتب أنّ “سامح ودلال” ليسا بأخوين أصلاً إذ أنّ لهما دماءً متباينة ولقد عقد قرانهما شيخٌ جليلٌ أفضى إلى الموت عُقيب أداء رسالته هذه الموكلة إليه. لكنّ الخطيئة تبقى حاضرةً ونعرف ذلك عندما يفسّر لنا الكاتب سبب تباين دماء الأخوين، إذ حملت أمّ دلال بابنتها بعدما زنا بها أثناء نومها ضيفٌ مجهولٌ عابر كانوا قد وثقوا به فمنحوه في ليلته تلك طعاماً وفراشاً، ففعل فعلته النكراء في بهيم الليل وولّى مغادراً..

يتعلق “آدم” بالقمر ويهواه ويسهر يتأمله ولا ينام حتى تشرق الشمس الكاشفة، لقد بلغ حبّه للقمر مبلغاً أنه يملأ الأصقاع جلبةً عند غيابه، لكنّ لقاءه بالفتاة “قمر” أنساه قمر السماء، ثمّ هي لا تلبث أن تختفي؛ ولن أكشف سرّ الرواية فيما لو كان لآدم يداً بغيابها.

تبدأ فصولٌ جديدة يعدّ فيها الكاتب فواز عزام الأيام السبعة التي ستزول البشرية بزوال آخر يومٍ فيها، وهنا تظهر عوالم وشخصيات ومواقف تربط نهاية العمل ببدايته لتستحكم دائرة الرواية كما هي الحياة دوماً عودٌ على بدءٍ..

لانجد في رواية “جبل النهاية” صياغةً لغويةً تتجاوز ما يريده المحتوى، لكننا نلحظ الصياغة الفنيّة المتماسكة التي تجعل القارئ حاضراً لفعل التلقي والمتابعة.

أجد من الصعوبة تصنيف هذه الرواية أو تأطيرها، لكنني أميل لوضعها في زمرة الروايات الجديدة (اصطلاح وضعه الدكتور شكري الماضي)، أو الروايات التجريبية، هذا النوع من الروايات قليلٌ في المكتبة العربية حيث يميل أغلب الكتاب إلى تأليف الروايات الكلاسيكية التقليدية التي تكون عادةً أقرب إلى القارئ العربي؛ وهذا ما يمنحها درجةً أعلى -نسبيّاً- بين نظيراتها من الروايات التي قرأتها هذا العام.

صدرت الرواية عام 2011 عن دار البلد، وتقع في 166 صفحة من القطع المتوسط، وهي بالمجمل رواية رمزية قوية يندر أن يخوض الكتّاب العرب في مثل ثيمتها الصعبة.

  • جبل النهاية
  • فواز عزّام
  • دار البلد