الرواية السريانيّة للفتوحات الإسلامية

مراجعة كتاب “الرواية السريانية للفتوحات الإسلامية” للباحث “تيسير خلف”

هل هي فتوحٌ أم غزوات؟
وهل كان العرب المسلمين فاتحين أم مستعمرين ؟

كلٌّ منّا يتمسّك بإجابةٍ تناسب فكره وتعليمه وقاعدته الإجتماعيّة والدينيّة التي نشأ عليها، ولأنّ (التاريخ يكتبه المنتصرون) فإنّ الباحث المتلهّف للحقيقة يتوجّب عليه قراءة كلّ الكتب التي دوّنت عن الزمن نفسه، فإذا قرأ فتوح البلدان للبلاذري وفتوح الشام للواقدي، وفتوح مصر للقرشي، فإنّ الحقيقة لا تكتمل إلا بقراءة تاريخ ميخائيل الكبير، وتاريخ التلمحري، وتاريخ يوحنا الآسيوي ليكون ذلك حَكماً مُنصفاً يأخذ مادته من كل أطراف الصراع دون حُكمٍ مُسبقٍ لأحدها ودون ميلٍ لجهةٍ دون أخرى.
ومن هنا جاء كتاب الباحث تيسير خلف كدراسةٍ موجزةٍ في تاريخ الفتوحات الإسلامية كما روتها كتب السريان، وبعد اطلاعي على الكتاب أشارككم النقاط التالية:

اعتمد السريان في كتبهم على تدوين أحداث التاريخ بالتقويم السرياني وهو متقدّم على التاريخ الميلادي 311 سنة و3 أشهر، وهذا يتطلب من الباحث مجهوداً مُضاعفاً للتحقّق من زمن وقوع الحدث بالشاهد والإثبات.

تناول الكاتب في بداية بحثه طبيعة العلاقة التي تحكم منطقة بلاد الشام، والحروب الطاحنة بين الفرس والروم قبل ظهور دعوة الإسلام، ويتّضح من هذه العلاقة مدى انشغال تلك الممالك بحروبٍ دمويّة، وحكى الكثير من الرواة السريان بفخرٍ واضح عن محاولات الروم فرض اعتناق المسيحيّة على اليهود، وعندما تلكّأ رؤساؤهم قام الروم بتعميدهم جميعاً وبالقوّة، فثار يهود أنطاكية واندلعت فتنةٌ عظيمة ومقتلة أودت بأرواح الآلاف من الطرفين، وكانت سياسة اليهود آنذاك مساندة الفرس الوثنيين حقداً منهم على المسيحيين.

عندما عُيّن أبو بكرٍ الصدّيق في منصب الخلافة ظهرت في السماء ما يُشبه الحربة قادمةً من الجنوب إلى الشمال، فاعتقد الكثير من الكهّان أنها دلالةٌ على مجيء المسلمين غزاة، وبالفعل وجّه الخليفة أربعة أجنادٍ إلى الشام وجيشاً بقيادة خالد بن الوليد إلى العراق لقتال الفرس، تقول المصادر السريانيّة أنّ هذه الجيوش حققت انتصاراتٍ هائلة على أعدائها وأناخت لها جباه الملوك والقياصرة وحصدتهم حصد السّنابل، ثمّ تبع ذلك هدوءاً وسلاماً وخيراتٍ عمّت البلدان.

توالت توسعة الدولة الإسلاميّة ويمرّ الباحث مروراً سريعاً على ذكر معركة أجنادين واليرموك، وتقول كتب السريان أن دخول المسلمين إلى دمشق كان سِلماً وأعطوا الأمان لأهلها ولم يُقتل من الدمشقيين رجلٌ واحد، إلا أنّ الجيوش التي توجهت إلى حلب وأنطاكية اجتاحت كثيراً من الحصون التي ما استسلم أهلها طوعاً ففتكت بهم وماتوا إثر ذلك ميتة سوء، الطريف أن كتب السريان حمّلت الأهلي تلك المسؤولية واعتبرتها عقوبةً وغضباً من الله عليهم.

تتحدّث المصادر السّريانيّة بإسهابٍ عن الحادثة الشهيرة في تاريخ المسلمين وهي وصول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى القدس، وهي في مجملها لاتختلف عمّا ورد في كتب التاريخ الإسلامي، وكذلك حال حياة الناس في القدس بعد الفتح.

تتعدّد فصول الكتاب وتنتقل من فتوح بادية الشام إلى إفريقيا وقبرص، ثمّ الحديث عن ترجمة الإنجيل إلى العربيّة، وفتح جزيرة رودس والحملة الكبيرة على القسطنطينيّة ودور معاوية في فتوح أرمينية.

ينظر بعض المؤرخين إلى السّريان على أنّهم شهود عيان حياديين لم يكونوا مرّةً طرفاً في صراع أو معركة، ويعتبرهم آخرون حليفاً استراتيجيّاً للروم ضد المسلمين والفرس واليهود على السواء، رغم أنّ بينهم وبين الروم اختلافاً عقائديّاً أدّى إلى مقتلةٍ عظيمة في مرحلةٍ زمنيّةٍ من التاريخ.

أشار الكاتب إلى نقطتين مهمّتين في المصادر السّريانيّة، أولها أنّ الرواية السّريانيّة لم تقدّم أيّ تفاصيل تتعلق بأسماء القادة المسلمين، وإن حصل ذلك فإنّ اسمه يرد بشكلٍ غير صحيح، القضيّة الثانية أنّ هذه المصادر قدّمت بعض المعلومات التاريخيّة التي لم تُذكر أصلاً في أيٍّ من كتب التاريخ العربية وهذا ما يجعل هذا الكتاب الصغير نسبيّاً هامّاً واستثنائيّاً عند النظر في أحداث تلك الحقبة التاريخيّة.

صدر الكتاب عن دار التكوين في 100 صفحة من القطع المتوسط، ورغم صغره إلا أنّه يغني المكتبة العربيّة، ويقدّم لمحبي التاريخ صفحاتٍ غامضة لاتزال بحاجةٍ إلى الكثير من البحث والدراسة.

  • الرواية السريانية للفتوحات الإسلامية
  • تيسير خلف
  • دار التكوين