الجاسوسة

مراجعة رواية الجاسوسة للروائي باولو كويلو

أول ما يطرأ على الذهن عند قراءة العنوان أنّنا أمام روايةٍ بوليسيّةٍ بحبكةٍ محكمة وشخصياتٍ غامضة، تمتلك نيّاتٍ خبيثة عن محاولة إقامة تحالفاتٍ متفرقة ومتوازية بين أنظمةٍ، خلال حروبٍ وصراعاتٍ دولية، هذا ما يوحيه العنوان ولكنّ الرواية شيءٌ آخر، هي مزيجٌ بين أدب الرسائل والسيرة الذاتية والمونولوج الداخلي لفتاةٍ هولندية تدعى (ماتا هاري) التي لايتمنى أحدٌ أن تكون قدوةً لأبنائه، وهذه هي قصّتها:تبدأ رواية الجاسوسة للروائي باولو كويلو بمحاولة مارغريتا (والتي ستغير اسمها لاحقاً إلى ماتا هاري) بكتابة رسالةٍ توضّح للعالم كله ولابنتها خاصةً براءتها الصريحة من كلّ ما أُلصق بسيرتها من رذائل. المضحك هنا أنّ القارئ سيقتنع بعكس ذلك تماماً، وستترسخ بذهنه سيرتها المخزية التي لا يمكن تنظيفها من أوحال الخطيئة وسوء الطويّة.

تستهل مارغريتا رسالتها بإثارة شفقة القارئ بكونها ابنة زوجين متناحرين لم يستطيعا خلق بيئةٍ أسريّةٍ متوازنةٍ، وهي تكابد صراع الوالدين منذ طفولتها، وفي عمر الستة عشر عاماً اغتصبها مدير المدرسة كما اغتصب صديقاتها الأخريات وبقيت تعاني أزمةً نفسيةً جرّاء هذه الحادثة طيلة العمر.

تتعرف (مارغريتا) بضابطٍ هولندي يعمل وراء البحار، فترغب به زوجاً لينتشلها من واقعها الأليم، فيرحل بها إلى جزيرة جاوة في أندونيسيا وهناك تكتشف ميوله بحب الآسيويات، وشذوذه المازوخية بالوصول إلى النشوة بتعنيفها جسدياً، فيطلب منها أن تمثّل مشهد اغتصابها من مدير المدرسة، فكان يعيد إلى ذاكرتها الجريحة ما كانت تحاول نسيانه والتشافي منه، فكانت كالمستجير من الرمضاء بالنار.

خلال حفلٍ أقيم على شرف أحد حكام الجزيرة جُمع له ضباطٌ وشرفاء مع زوجاتهم، تنتحر زوجة الضابط (أندرياس) على مرأى الحضور، فتفجع (مرغريتا) بهذا المشهد، وتحزن لأجل الضابط (أندرياس) الذي اتخذته صديقاً مقرّباً لها، فتحزم أمرها وتقرر الهرب إلى باريس وكذلك فعلت.

في باريس تدخل (مارغريتا) دنيا العهر والرذيلة من أوسع أبوابها فتغير اسمها إلى (ماتا هاري) وتتعرف ب (موسيمو غيميه) الذي علّمها هو وزوجته ما كان ينقصها من الصفاقة وقلة الحشمة، ففتح ناديه لها على مصراعيه لترقص لزبائنه رقصة التعري حتى تُسقط عن جسدها ورقة التوت، وتصير كمثل شجرةٍ على قارعة الطريق تمنح ثمارها لكلّ عابرٍ بها. وهنا يخرج (كويلو) عن طوره ككاتبٍ مرموق، ليدخلنا بتفاصيلَ رخيصةٍ عن امرأةٍ عموميةٍ جعلت من جسدها المشاع وليمةً سهلةً لجوعى الجنس، وهي إلى كرمهم ومالهم أحوج منها إلى السُمعة الحسنة.

(ماتا هاري) كما يصورها الكاتب في رسالتها، امرأةً تشتري سعادتها بالتجمّل والتأنّق وارتداء الملابس الثمينة والتزيّن بأندر المجوهرات، و تصف نفسها بالحسناء الموفورة الجمال التي تحسدها عليه نساء أوروبا قاطبةً، وكلّ ذلك لايشفع لها، إذ هي تحاول بذلك تغطية قباحة نفسها وسوء أخلاقها وسريرتها. فكان البؤس والشقاء في حياتها ليس ذنب القدر بل هو حظّها الذي اختارته من الأيام.

تنتقل (ماتا هاري) إلى برلين ويجنّدها القنصل الألماني لتصير جاسوسةً لهم على الفرنسيين الذين يكتشفون أمرها فيُردُونها قتيلةً رمياً بالرصاص ويطووا بذلك صفحة حياتها الأخيرة.

تفتقر الرواية لحبكةٍ واضحة؛ لا أعزو ذلك لضعفٍ عند الكاتب الكبير (باولو كويلو)، إلا أنّ جوّ الرواية وميلها لتغدو مجرّد رسالة لسيرةٍ ذاتيةٍ لراقصةٍ متّهمة بالتجسّس حرمها من نسيج الرواية التقليدي، لكن يمكن لوم الكاتب على محاولته استجداء عطف القارئ لبطلة القصة رغم استحالة ذلك (من جهتي على الأقل)، وتبريره لتصرّفاتها التي لا تخرج إلا من امرأةٍ خبيثةٍ نبتت في تربةٍ أخبث. (دون نسيان ما تعرّضت له طفولتها من هجران الأهل واغتصاب المعلّم؛ باعتبارها قصّةً حقيقية).

من السهل جدّاً إيجاد تقاطعاتٍ عدّة لهذه الرواية مع قصصٍ مشابهة في دنيا الفن العربي، إذا طالما قرأنا (أو سمعنا) عن راقصاتٍ عربياتٍ كُنّ عميلاتٍ للكيان الصهيوني، وربما كُتبتْ حول ذلك مقالاتٍ وكتباً عديدة يفتقر جُلها للدليل القاطع والحجّة الدامغة.

صدرت الرواية عام 2017م عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، وتقع في 150 صفحة من القطع المتوسط، وهي بالمحصّلة روايةٌ من لا يقرأها لايفوته شيء، وقد وضعتها في قائمة أضعف قراءاتي لهذا العام وكل عام.

  • الجاسوسة
  • باولو كويلو
  • شركة المطبوعات للتوزيع والنشر

اقرأ أيضاً مراجعة رواية الخيميائي ، الزهير ، رامي السهام ، بريدا .