أرض زيكولا

مراجعة رواية “أرض زيكولا” للكاتب المصري “عمرو عبد الحميد”

يقول الجاحظ في كتابه البيان والتبيين ص 166: ((وقد كتب الروائي “عمرو عبد الحميد” كتاباً أسماه “أرض زيكولا” وإنّي وددتُ لو كنتُ صاحب هذا الكتاب لما فيه من سعة الخيال ورشاقة الأسلوب وبديع الصنعة في رصف الجمل وتركيب الكلام، وقد أهدى الكاتب نسخةً من روايته إلى الخليفة الذي أمسك لحية شيخه وأقسم عليها أنّ هذا الكتاب من أجمل ما قرأ في حياته، وعهِد إلى الكاتب “عمرو عبد الحميد” تأديب ولديه وصبيانه لما عرف فيه من فصاحة اللسان وجزالة العبارة، وإني قرأت الكتاب من نسخةِ pdf مُستعارة من دار التدوين وتمنّيتُ لو حصلتُ على نسخةٍ ورقية ٍخاصّةٍ بي أورّثها أبنائي من بعدي ولو كلفني ذلك بيع جبّتي وسروالي)) انتهى كلام الجاحظ.


“عمرو عبد الحميد” الطبيب الذي لم يمنعه اختصاصه في الأنف والحنجرة والغلاصم من أن يتبع حدسه وموهبته ويكتب روايةً لو كنّا نملك في بلادنا العربية إحصائيّاتٍ دقيقة حول النّسخ المقروءة بشقّيها الورقي والإلكتروني (الأصيل منها والمقرصن) لوصلنا إلى رقمٍ جديدٍ في عالم النشر العربي يتخطّى عتبة الخانات الست، وهو إنجازٌ غير متوقع لكاتبٍ غرٍّ ينشر للمرة الأولى، وبناءً على ماسبق فإنّ عندي _ كما عند معظم القرّاء_ سؤالٌ مشروع للكاتب الشاب عمرو عبد الحميد، وهو: كيف فعلتَ هذا؟؟ ودعوني قبلاً أحدّثكم عن سحرٍ عجيبٍ في الرواية لا أعلم إن حصل مع غيري من القرّاء، فإني كلما أمسكتُ الكتاب وقرأته يذهب بي إلى عالمٍ من الخيال يشبه تماماً أرض زيكولا وتحديداً إلى البحيرة التي يجلس بجانبها خالد في معظم أحداث الرواية (شاهدوا الصور)، وقد ظننتُ أنّه محضُ وهم ٍ وما أنا إلا أتماهى مع الأحداث الجميلة وأغوص في تفاصيلها، لكنّي عمّا قليل أدركتُ أنني لا أتوهّم، وذلك عندما طلبتُ كوباً من الشاي فأتاني النادل يحمله ولم يضعه أمامي حتى أخذ مني وحدتين من الذكاء، فأدركتُ حينها أنه الواقع لا الخيال فحملتُ جوالي وألتقطتُ بضع صورٍ تحسّباً لكلام المشككين من الأصدقاء القرّاء، وما إن أنتهيتُ من الرواية حتى عدّتُ إلى بيتي ومكتبي وكأس الشاي الذي ما بقي به غير (الهبابة)، فإن حصل ما يشبه هذا مع أحدكم فلا يبخل علينا بإخبارنا به درءاً للتهمة عنّي. بالعودة إلى هذا الرواية شاغلة الناس فإني سأختزل أحداثها اختزالاً يمحق القصة لظنّي أنّ معظم من يقرأ هذه التدوينة قد سبق له أن قرأ الرواية لشيوعها بين النّاس وتداولها المكرور بين الأيادي.

تحكي الرواية جزءاً من حياة خالد، وهو الجزء الأهم في عمره والذي من المؤكد أنّه سيحكيه لأحفاده من بعده، فبعد أن تقدّم لخطبة حبيبته منى ثمان مرات ولم يجد من أبيها سوى الرفض والزجر، قرّر أن يثبت نفسه وينزل في سردابٍ عجيبٍ يمرّ من تحت القرية، وهو السرداب الذي نزل والداه فيه من قبله ولم يعودا فبقي مع جدّه الهرم كلّ حياته، وقد حذّره كثيرٌ من النّاس تبعات هذه المخاطرة لكنّه وليبوسة رأسه أبى وقرر أن يعيش التجربة بنفسه، ثمّ عندما نزل انهار السردابُ على رأسه العنيد ولأنّ في حياته بقيّة فإنّه لم يمت، بل وصل إلى أرض زيكولا تلك الأرض العجيبة التي يتعامل أهلها بالذكاء والتفكير عوضاً عن الدرهم والدينار، وهناك بدأ مغامراتٍ جديدة للعودة إلى بيته وقريته ولو كلّفه ذلك دفع كامل مخزونه من الذكاء وإن عاد إلى جدّه غبيّاً أحمقاً، فهل حصل ذلك وكيف يمكن أن يعود البطل؟! ، تلك أسئلة يجيبُ عنها الكاتب ضمن إطارٍ مغلقٍ من الأحداث المتلاحقة والمشوّقة.

وقد أجريتُ استبياناً في هذه الصفحة أستقرئ به رأي الأصدقاء وقد شارك بها الألوف الذين وقع رأي غالبيتهم على الإشادة بالرواية وحبّهم لها، وإني لا ألومهم في ذلك وأبيّن في النقاط التالية ملاحظاتٍ أسجّلها حول الرواية وقد يجد فيها البعض أسباباً تجعل الرواية بحق جميلة وتستحق أن تُقرأ: الرواية صاخبة جدّاً، لاتتوقف الأحداث عن التجدّد ولا يتوقعها أحد، وكلما انتهى موقفٌ تولّد آخر، وهكذا لا تكفّ الرواية عن إشغال القارئ وإمتاعه.


تجري الوقائع ضمن خطٍّ مستقيم مع حبكة مشهدٍ مشدودة، حيث لاينقطع حبل المشاهد بتفاصيل ثانوية أو أحداثٍ تقع في عمرٍ أو زمنٍ آخر، في هذا النوع من القصّ لايجد القارئ فرصةً لاسترجاع نفسه، هو فقط ينغمس في أحداث الرواية ويترك الراوي يحرّكه كيف يشاء وهذا يتطلب براعةً أستغرب كيف لكاتبٍ شابٍ تملكها واستخدمها بكثيرٍ من القوة والحكمة في عمله الأول!!


رغم أن بيئة الرواية هي (أرض زيكولا) الأسطورية الغرائبيّة إلا أن شخصيات الرواية مستمدّة من الواقع، وهي شخصيات حيّة وجذابة ويشبهوننا كثيراً رغم اختلاف البيئة ونمط الحياة، وهذا يُبعد الرواية عن رواياتٍ قد تكون مشابهة كونها تجري في بلادٍ أسطورية(أليس في بلاد العجائب نموذجاً) وهي نقطة أخرى لصالح الكاتب.


لو راقبنا كيف يصنع الراوي المشهد نجد أنّه يعتمدُ بشكلٍ رئيسي على الحوار الذي جاء ركيزة الرواية الأساسي، بل أبعد من هذا نرى الكاتب يصف الأماكن على لسان شخوص الرواية وضمن حوارٍ سريع وكله بالعاميّة المصرية وهذا الإمعان في استخدام العاميّة أجده مأخذاً أولاً على الرواية.


المأخذ الآخر يكتشفه القارئ الحصيف وهو أنّ الصدفة وحدها هي التي كوّنت عقدة الحكاية، وهذا أضعف ما يمكن أن يكون في أيّ رواية، إذ لولا أنّ فتاة الليل تلفّظت بكلمة عابرة قبل أن تنهار وتذكر أن فلاناً ورث عن أبيه كتاباً عن سرداب فوريك، لم يكن للبطل بدٌّ من أن يجالس شعب زيكولا كلّ حياته.


في الرواية ثلاث شخصيّات رئيسيّة (خالد، يامن، أسيل) والباقي شخصياتٍ ثانويةٍ، لكن أدوارهم لاتخلو من مجابهةٍ مباشرة مع الأبطال وهذا ما يجعل وجودهم ضرورياً وليس حشواً من فراغ.


مجمل القول: الرواية جميلة ومسلية لكنها ليست كما يدّعي معجبوها بأنها من أعظم ما كُتب في العصر الحديث فهذا إجحافٌ بروائع الأدب العربي وعظمائه من أهل الحرفة، لكنّي أراها (وهو رأيٌ شخصيٌ بحت) رواية جيدة موجّهة لجمهورها من الفتيان والمراهقين، أمّا من قرأ بين القصرين والطنطورية، وثلاثيّة غرناطة والسكريّة فلن يجد في أرض زيكولا سوى حكاية جديرة أن تُقرأ ويُشكر صاحبها ثمّ تُهدى لتترك في المكتبة مجالاً لكتابٍ أفضل.


صدرت الرواية عن دار عصير الكتب، وصرح فكر يصنع حضارة، في 288 صفحة من القطع المتوسط، ولشهرة الرواية فإنّ غالبية النسخ الموجودة في المكتبات العربية هي نسخاً مقرصنة بما في ذلك نسختي وقد اكتشفتُ ذلك لاحقاً.


مُلاحظة١: لم يُذكر في (البيان والتبيين) شيئاً ممّا قلت، وبين عمرو بن بحر الجاحظ وعمرو عبد الحميد أجيالاً عديدة، هي فقط مقدمة شديدة المبالغة استهللتُ بها تدوينتي مُشاكلةً لمحبي رواية أرض زيكولا الذين وضعوها في مكانٍ أكبر من حجمها.


مُلاحظة٢: لم تحملني الرواية إلى غير مكاني الذي كنتُ فيه، كل ماهنالك أنّني اخترتُ هذه الرواية لأقرأها خلال إجازتي التي قضيتها في بلدة اسمها (مشقيتا) في ريف اللاذقية وصوّرتها لكم من هناك، ولايحقّ لكم معاتبتي على تلك المقدمة، فالكاتب حدّثكم في روايته أعجب من تلك التفاصيل وأغرب ولم تعاتبوه، فلمَ لا تعاملوني معه بالعدل والقسطاس!.

  • أرض زيكولا
  • عمرو عبد الحميد
  • عصير الكتب