مراجعة رواية ألوان العار للروائي والفيلسوف السوري المصري ألبير قصيري
في هذه النوفيلا القصيرة الرائعة يدمج الروائي والفيلسوف ألبير قصيري المأساة بالملهاة، ويجعلك تتقبّل الفواجع المتوالية بالضحك والاستخفاف، كما يجعل من فساد المجتمع المستشري بين الحاكم والمحكوم مدعاةً للسخرية على مبدأ “شرّ البليّة مايُضحك”.
في الرواية: يمتهن الطالب الجامعي المثقف أسامة التسوّل والتكسّب بالإشفاق، وذلك بعد أن فقد الأمل بإيجاد عملٍ شريفٍ يكفيه ووالده الكفيف شرّ السؤال، فالتقى بلصٍّ محترفٍ يُدعى نمر.
تمرّس أسامة على يدي نمر أصول الصنعة وأتقن قواعدها، لكنّه وبعد أن فاق أستاذه حرفيّةً وحذاقة لم يَهُن عليه استلاب القروش القليلة من جيوب الفقراء فأحدث في مهنة اللصوصيّة بدعةً ماكانت فيها وهي أن يخالط الأغنياء في محافلهم بعد أن يتزيّ بزيّهم ويتمنطق بهيئتهم؛ ثم يسطوَ بخفّة يدٍ عجيبة على ما في جيبوبهم من غنائم وهم لايشكّون به طرفة عينٍ طالما أنّه يُشاكلهم في الملبس والسلوك.
يحصل أن تقع في يد أسامة ثبوتيّاتٍ تُدين رجل أعمالٍ معروف يُدعى سليمان وتُدين شركاءه من المتنفّذين في الدولة، فيشاور نمر في الخطة الأجدر باتخاذها لابتزاز رجل الأعمال الفاسد، فينصحه بمشورة صحافي مُلاحق من الدولة ومتوارٍ عن الأنظار ويزرب نفسه في المقابر للإفادة من خبرته؛ فيقع رأي الجميع على مواجهة الفاسد ومطالبته بمالٍ عالٍ لقاء هذه الثبوتيات.
يحصل اللقاء، ويتقلّب الجميع بألوانٍ من العار، لصوصٌ يفاوضون فاسدٍ مقابل رشوةٍ يدفعها لهم للسكوت عن جرائم اجتناها بحق أناسٍ أبرياء قضوا في انهدام العمائر فوق رؤوسهم بسبب قلة مؤونة مواد البناء. ويشرع بينهم سجالاً دنيئاً يُبرز ماتنطوي عليه نفوسهم من تمجيدٍ محضٍ للمال، ثم تنتهي الرواية بانتهاء هذا اللقاء.
يهيمن على الرواية من بدايتها لنهايتها أسلوبٌ ساخرٌ ومفارقاتٍ في الدلالة تحدث على صعيد جماليات التلقي، ويبدو أنّ الكاتب ألبير قصيري أراد التركيز على زمنٍ معيّنٍ من الرواية وهو مصر مابعد الثورة والانقلاب على الحكم الملكي، وكيف زادت تلك الثورة بؤس المجتمع وأطلقت يد الطبقة الحاكمة لمزيدٍ من الفساد.
يصوّر الكاتب المجتمع المصري في تلك الحقبة بأنّه مجتمعٌ خاضعٌ مستسلم، يرى في السخرية منجاةً من آلامه، وأن فقراء تلك الأرض تكيّفوا مع جدب المعيشة ولأواء الحياة وعسرتها، لكنّه لم ينضمّ إليهم ولم يحزن لشأنهم، بل استهزأ بحالهم أسوةً بهم، ونظر إليهم نظرةً متعاليةً مفادها: أنتم تستحقون العار الذي جلبتم لأنفسكم.
من المفارقات الجميلة التي أتقن الكاتب إبرازها هو حبّه الواضح لمصر وحزنه على مستقبلها، وما السخرية من المجتمع إلا إنكاراً منه لحالٍ بئيسٍ وصلت إليه، وأنّه لامستقبلَ مشرقٍ تومئ إليه هذا البلد في المدى المنظور.
صدرت نسختي من الرواية عن دار كنعان عام 2021، وتقع في 104 صفحات من القطع المتوسط، وهي رواية غاية في الجمال يستطيع الكاتب من خلال السخرية من شقاء المجتمع أن يجعلك تبتهج حتى البكاء.
- ألوان العار
- ألبير قصيري
- دار كنعان